يقول محمود درويش: (لا أريد من الحب غير البداية). لتصبح هذه العبارة شعاراً يُتغنّى به عن حلاوة البدايات وبهجتها، ولعلّ درويش كان يملك بُعد نظرٍ حين قالها، إذ تخيّل مع مرور الزمن كيف قد يُمسي الحب بارداً ورتيباً وخالياً من الشغف والمشاعر المتأججة في أيامه الأولى، فآثر أن ينال العُصارة الشهية المتركزة في البداية، ويترك ما تبقّى. ونحن هنا لا نعمّم هذا الفتور على كل العلاقات، لكننا في الوقت نفسه لا نعيش في عالمٍ خياليٍّ من وحي ديزني، حيث يقع البطل والبطلة في حب بعضهما، ويتزوجان ويعيشان إلى الأبد في سعادةٍ وهناء، فالكثير من الأزواج ينتهون إلى الشعور بالضجر ثم الخيانة وأخيراً الجلوس معاً في عيادةٍ نفسية أمام أخصائي يحاول التوفيق بينهما وإعادة شرارة البدايات إلى علاقتهما، ومن هذه النهاية تحديداً يبدأ فيلم The One I Love.

(الشخص الذي أحبه)
يتناول فيلم (الشخص الذي أحبه) قصة زوجين يصلان إلى مرحلةٍ فاترة من علاقتهما، فيزوران أحد الأخصائيين بهدف إيجاد حلٍّ لمعضلتهما العاطفية. الزوجان (إيثان) و(صوفي) يحكيان للأخصائي عن طريقة تعارفهما ووقوعهما في الحب، وكيف أنهما يشتاقان إلى شغفهما وشقاوتهما الأولى، فيقترح عليهما الأخصائي الذهاب إلى بيتٍ منعزل، هو أشبه بمنتجعٍ خاص لهما، ليقضيا فيه الإجازة، ويؤكد لهما أن لهذا المكان تأثيراً إيجابياً على الأزواج الذين يعانون المشكلة ذاتها. يتجه إيثان وصوفي إلى بيت الإجازة، ويقضيان فيه أوقاتاً رائعة، لكنهما يلاحظان بمرور الوقت بعض الأحداث الغريبة، ثم يكتشفان أن في البيت زوجين آخرين هما نسخة منهما! وفي ظل هذا الاكتشاف، يشعر إيثان وصوفي بالخطر والإثارة معاً، محاولين اكتشاف حقيقة نسختيهما، وما إذا كانا يخفيان سراً ما، أو يدبران خطةً ما.

النسخة والأصل
يقول الموسيقيّ الساخر هيني يونجمان: (البعض يتساءلون عن سرّ طول عمر زواجنا. نذهب لمطعم مرتين في الأسبوع: شموع، موسيقى، ورقص. زوجتي تذهب أيام الثلاثاء، وأنا أذهب أيام الجمعة). هذه المقولة تبدو مفصّلةً بدقة على فيلم The One I Love. فالزوجان إيثان وصوفي يكتشفان أنه ليس بوسعهما البقاء مع نسختيهما معاً، فإذا أراد إيثان أن يجلس مع صوفي الأخرى، فعلى صوفي الحقيقية أن تظل بالخارج، والأمر ينطبق مع نسخة إيثان وصوفي الحقيقية. الإثارة في الفيلم تكمن في استكشاف كل طرف للصفات الأجمل أو الأسوأ في شريكه عبر المقارنة بين النسخة والأصل. صوفي الحقيقية تقول لإيثان الحقيقي إن نسخته تبدو وكأنها ذكرى لما كان عليه سابقاً، وأنها ترى فيه الشخص الذي أغرمت به لأول مرة، مما يثير مخاوف إيثان بأن يكون الزوج الآخر هو النسخة الأفضل منه. ومع الوقت يطفو تساؤلٌ معقد على السطح: هل تعدّ العلاقة العاطفية الحميمة مع نسخة شريكك خيانة؟ في ظلّ الغموض الذي يكتنف حقيقته وطبيعة ظهوره؟

قالب بسيط
الفيلم مصنفٌ في موقع IMDB (دراما، فانتازيا، غموض، رومانسي، خيال علمي، إثارة)! وهو بالفعل يجمع كل هذه التصنيفات في قالبٍ بسيط تتابع فيه الأحداث طوال 90 دقيقة بأسلوب السهل الممتنع. من ذكاء السيناريو أنه لا يقدّم تفسيراً واضحاً لما يحدث، إذ يترك للمشاهد التخمين، فالظاهرة الغريبة حدثت وكفى، وليس بيدك إلا أن تتعامل مع الواقع الجديد. لم يكن الفيلم ليظهر بهذه العفوية والإتقان لولا وجود ممثلين يبدوان غريبين بالفطرة، خصوصاً بعد أدائهما بعض الأدوار التي تدور في فلك الاعتلال النفسي والكوميديا السوداء، وهما إليزابيث موس ومارك دوبلاس. يتوافر الفيلم للمشاهدة على منصة Wavo.