تحولت جدران المطاعم إلى واجهات زجاجية، تفعل فعل الشاشة وتؤدي وظيفة مماثلة للشاشة في صناعة الأثر والإغراء، حيث تعرض رسومات وصوراً لأطباق الطعام بتشكيلات فنية وألوان، تكاد تتكلم وتفوح بالرائحة وكأنها تجر الزبون، إذ تخاطب بطنه عبر منظر بصري منسق ومتقن، يلعب أثره على الناظر العابر فيستوقفه أو ينطبع في ذاكرته، والزبون الجائع أو الخاضع لضاغط موعد طعامه، يستقبل هذا الإغراء بوازع داخلي يدفعه لعبور المدخل، ولن يتردد في الانضمام لطابور انتظار مهما طال، ليأتيه دوره في الجلوس على طاولة يحشر نفسه فيها مع مرافقيه، ويتضاعف التأثير كلما زاد هذا الطابور وامتد، وقد ترى مطعماً واحداً وبجواره مطاعم أخرى، ويفوز من بينها أكثرها زحاماً من الواقفين على المدخل، وصار زحام الباب إغراء إضافياً، يضاف إلى صور الأطباق وضجيج رائحة الطعام مع صوت قرع الصحون بالملاعق والشوك، هو حفل تعود بطولته للألوان والصور الفنية للأطعمة مع الروائح المتصاعدة، وكأنها مؤامرة بيضاء على حواس الزبون بصراً وشماً ودغدغة للبطن الجائع، وسيزيد جوعه كلما درجت خطاه نحو داخل المطعم.
الناس يشترون أكثر مما يحتاجون، ويأكلون أكثر مما يحتاجون لأنهم سلموا أنفسهم لإغراء ثقافة الصورة، حتى أصبح الطعام مؤسسة إعلامية تزاحم الأخبار في الاستحواذ على عقول الناس ومشاعرهم، أصبحت معها وجبة العشاء مشروعاً يومياً يحتل حيزاً من التفكير والتخطيط واحتساب ميزانية خاصة له.