كانت حقيبة الصور القديمة التي تحتضن ألبومات (مجلدات) الصور الفوتوغرافية هي الوجهة الأهم، وقد تكون الوحيدة التي نلجأ إليها لو أردنا استعادة لحظات من فقدناهم من أحبّائنا، ففي كلّ صورة رائحة مكان وهمسة أبٍّ أو جدّ، وضحكات ودموع لا يُمكن إعادتها للوراء، لكن يمكننا أن نحاول عيشها مرة أخرى كلما وقعت أعيننا على صورة حفظت بين الحبر والورق زمناً لن يعود. خواطر كثيرة تزاحمت في رأسي عندما قرأت خبراً قبل أيام أن عدد مستخدمي فيسبوك الأموات (من لهم حساب وقد توفوا) سيفوقون الأحياء قريباً.

«أيام لوّل» كانت حقيبة أو حقائب تكفي لتحتضن ذكرياتنا التي اختزلناها في صورنا الفوتوغرافية، أما اليوم فكل واحد منّا بهاتفه الذكي ينتج مئات الصور والفيديوهات من دون أن يشعر، وعدد لا بأس به منها يجد طريقه لوسائل التواصل الاجتماعي «السوشيال ميديا». دار حوار منذ فترة قريبة عن رغبة أصدقاءٍ لنا في إغلاق حسابات التواصل الاجتماعي لابنتهم التي توفيّت، وذلك لأن استمرار الحسابات يذكّرهم باستمرار بكارثة فقدهم لها، تفهّمت إحساسهم ومشاعر ألمهم التي تعجز عن وصفها الكلمات، لكن هذا جعلني أفكّر ما الذي يجب أن نفعله بذكرياتنا الرقمية؟ وهل هناك إجابة واحدة صحيحة؟

للبعض الذكريات الرقمية قد تكون موعداً لتجدد ألم أرادوا تناسيه، بعد فقد عزيز وخاصة في السنوات الأولى، لكن بالنسبة إليّ أرى أن التقنية وقدرتها الهائلة على تسجيل اللحظات تعتبر حياة افتراضية توازي الحياة الواقعية وتقترب منها أهمية، فحسابات التواصل اليوم نعيش فيها صوتاً وصورة ومناسبات وغيرها الكثير، لذا أرى أننا يجب أن نحتفظ بحسابات التواصل وأن نكتب وصية إلكترونية لمن يجب أن يحتفظ بهذه الحسابات.

حتى منصّات التواصل الاجتماعي أصبحت تبتكر في الطريقة التي يجب أن يتم التعامل بها مع حسابات المتوفى، فعلى سبيل المثال «فيسبوك» أتاح لمنتسبيه اختيار توريث الحساب، وأطلق على حسابات المتوفين مسمى (الحسابات التي يعاد إحياء ذكراها) وتظهر عبارة (في قلوبنا) إلى جانب اسم صاحب الحساب المتوفّى، ليتمكّن أهله وأصدقاؤه من تذكّر مسيرته ويتفاعلوا مع صفحته ويتذكروه بعد وفاته.

التقنية فرضت علينا أنماطاً حياتية جديدة، ومنها هذا الأمر وهو التساؤل عن مصير حسابات المتوفّى الرقمية. أتمنى لكم حياة مديدة كلّها صحة وسعادة وبركة في العمر لكم ولأحبائكم، ولتكن حسابات من نُحبّهم ممن فقدناهم ذكريات رقمية تبث ذكراهم الطيبة في حياتنا بعد وفاتهم، فما رأيكم أنتم؟