أؤمن بأن حياة ليست مرهونة بهدف هي موتٌ في ثوب حياة. لكن ما الهدف؟
هناك صنف من البشر لا يستطيع أن يمارس حياته من دون خصومة، مشكلته أن لا مشكلة لديه فيضطر لافتعالها، فتصير هي الهدف الوحيد والأسمى يملي بها فراغه الكبير ويحقق وجوده، لا يستطيع أن يشعر بقيمة وجوده ما لم يكن أمام خصمٍ يرهن حياته في سبيل فنائه، أو على مشاكسته على أقل تقدير. لا قضية ولا رسالة ولا هدف أبعد من فكرة سطحية داخل رأسه: لديّ خصم، فأنا موجود!.
هذا نوع من البشر ليس لديه ما يهبه للحياة وللغير، فصار الغير شاغله، تجده في الحياة واقعاً أو افتراضاً على الإنترنت، لا يقدم فكرة ولا رأياً إلا ما يعزز خصومته مع شخص ما. يشكل منتخباتٍ من محترفي افتعال الخصومات؛ مهاجمين ومدافعين وحراس مرمى بل وربما جمهور، ويمضي أياماً في نشوة التفات الآخرين حوله، وقد ينتشي حد الثمالة إذا ما تلقى ردّاً من خصمه المتخيل، أياً كان رده. ولا غضاضة في أن ينقلب على أحد أعضاء فريقه، فالمهم إيجاد خصم يضمن استمراره ليبقى موجوداً.
تعجبني القدرة الفريدة لدى أولئك على خلق الخصومات، ولكنها قدرة مهدرة مع الأسف، لا طائل من ورائها، كان لها أن تصنع من صانع الخصوم إنساناً عظيماً لو أنه أجاد انتقاء خصومه. كان عليه أن يقف أمام ذاته وقفة شجاعة، يتعرف إليها خصماً حقيقياً، يخاصم فيها الكسل والفشل والاتكالية والغيرة والفراغ واليأس. يعمل على عكسها، يرهن حياته بهدف يبقى أو يترك أثراً حسناً. يكون موجوداً مرئيّاً ومسموعاً لذاته وحسب، ليس بسبب التصاق اسمه بأسماء خصومه التصاق الطحالب بالصخور. عليه أن يفكر ملياً ماذا يريد، ولماذا، وإذا ما توصل لإجابة؛ فليسأل نفسه، هل يستحق الأمر عناء افتعال كل تلك الخصومات المجانية؟ لست مجبوراً على المحبة إن كانت عسيرة وفق طباعك، ولكنك مجبور على ألا تكره، من أجلك أنت لا من أجل الآخرين. اعمل، فالعمل حياة، وأنت معني بحياتك لا حياة غيرك.