لم تكن الدكتورة نبيلة العوضي، أول طبيبة إماراتية في طب الطيران، الوحيدة التي ألهمت النساء اقتحام القطاعات التي يهيمن عليها الذكور تقليدياً، لكنها كذلك قدمت نموذجاً إنسانياً نابضاً بقيم الريادة وتعزيز الإبداع والابتكار ومثالاً على أن النجاح لا حدود له.. نلتقيها في هذا الحوار لنتعرف إلى أسباب دخولها هذا المجال، والصعوبات التي واجهتها، وأشياء أخرى.

• لماذا طب الطيران تحديداً؟
اخترت دراسة الطب العام، ولم أكن أعلم عن هذا التخصص شيئاً من قبل، حيث دخلت المجال بالصدفة، ولأنني أؤمن بأن الفرص لا تتكرر خضت تجربة جميلة بكل حذافيرها عندما عرض عليّ العمل في الهيئة العامة للطيران المدني في سنة 2004 كأول طبيبة بمهام مفتش طب طيران وأول طبيبة كذلك على مستوى الدولة تدخل هذا المجال، أغراني الرقم واحد كثيراً، في البداية شغفت بالتحدي في الوظيفة الجديدة، فرسالتي في هذه الحياة أن أكون متميزة وأفعل كل الأشياء التي أحبها. على مر الأيام والسنين اكتشفت أني وجدت رسالتي في هذا المكان وصرت أنتقل من خطوة إلى أخرى بسهولة، فعندما بدأت تأسيس قسم طب الطيران كان هدفي تأسيس شيء مبدئي لتقنين قوانين وإجراءات طب الطيران، ولكني انتهيت لتنفيذ شيء آخر مختلف وأفضل من تلك الفكرة؛ وذلك لأنني في الطريق إلى النجاح تعلمت الكثير وصرت لا أرضى بالقليل حتى أصل إلى هدفي في تأسيس قسم ينافس في تطبيق أفضل الممارسات على مستوى العالم.

شخصيات قيادية
• صفي لنا ماهية وظيفة طب الطيران، وما مجالاته؟
طب الطيران هو فرع من فروع الطب المهني يدرس ظروف العمل المهنية للعاملين في مجال الطيران من طيارين، مضيفين جويين، ومراقبي الحركة الجوية. هو تخصص يركز على الظروف الصحية والنفسية المرتبطة بالطيران والوقاية من هذه الظروف، وتخفيف وعلاج الأمراض والعلل المرتبطة بالطيران، وطبيعة عملي هي نص كل القوانين الخاصة بطب الطيران المدني  للعمل بها في  دولة الإمارات، ثم إعداد البروتوكولات والإجراءات لتطبيق هذا القانون.

• وما الذي يميز المرأة في هذا المجال؟
هذا المجال يحتاج إلى شخص قيادي بالفطرة يستطيع اتخاذ القرارات المهمة بحزم، وفي الوقت نفسه يتعاطف مع الحالات بتوازن مهني احترافي، وهذه الصفات تتوافر في الشخصيات القيادية النسائية عموماً وبصفة خاصة لدى المرأة المتوازنة، التي تملك القدرة على المعادلة بين التعاطي الإنساني مع الحالات والسعي لمساعدتها مع الحفاظ على كامل مسؤولياتها الوظيفية. هذا التخصص يختلف عن التخصصات الأخرى، يحتاج الكثير من مهارات التعامل مع البشر، التعاطف مع الأمور الإنسانية، البحث عن الحلول والتحديث المستمر والقدرة على العمل تحت الضغوط النفسية، كل هذه السمات بموازنة دقيقة، بحيث لا يؤثر في السلامة الجوية والمرأة بطبيعتها تمتلك هذه المواصفات بالفطرة.

• ما الصعوبات التي واجهتك؟ وكيف أزلت العقبات في مسيرتك؟
في بداية مشواري كانت أكبر التحديات هي قلة معرفتي بالتخصص والمعلومات التي كانت لديّ في  هذا المجال غير كافية لممارسة العمل بتقنية ومهنية عالية، والأصعب أنه لم يكن عندي المرشد ليدلني على نقطة البداية، ولكني أمضيت عاماً كاملاً وأنا أنتقل من تدريب متخصص إلى آخر، وقمت بالعديد من الزيارات للدول الأخرى للتعرف إلى ممارساتهم، هذا بالإضافة إلى القراءة كثيراً في مكتبي وفي المنزل أيضاً والحرص على الوجود في أغلب المؤتمرات العالمية، كل هذا أخذ الكثير من الجهد والوقت لتأسيس القسم وتطويره باستمرار، وكلما طرأ موضوع جديد عليّ كنت أبحث عن كل الممارسات على مستوى العالم وأدرس إمكانية ملاءمته وتطبيقه عندنا.

دعم ومهنية
• كيف كان تقبل زملائك الذكور لوجودك بينهم؟
كنت محظوظة منذ بداية مشواري، إذ لم ألتقِ من يشعرني بأني مختلفة والعمل في بيئة ذكورية نسبياً لم يكن يشكل عائقاً لديّ؛ لأنني التزمت بالتعامل مع زملائي بمهنية عالية، والبعض من زملائي كانوا يشجعونني على الاستمرار والنجاح.

• من الذين ساعدوك وقدموا لك يد العون خلال مسيرتك في ميدان طب الطيران؟
ساعدتني التسهيلات الكثيرة من قبل العاملين في الهيئة بتوفير كل الدورات التدريبية التخصصية وابتعاثي لبعض الدورات في الخارج وتوفير كل المصادر المتعلقة بمجالي، هذا الدعم أثرى معلوماتي كثيراً وحفزني على المزيد من الاجتهاد والنجاح. وبالنسبة إليّ، لأني زوجة وأم لأربعة أولاد، كان الموضوع صعباً نسبياً، ولكن ليس مستحيلاً، وبمساعدة زوجي وأهله ودعمهم لي ومراعاة أبنائي في غيابي ساعدني ذلك كثيراً على الاستمرار في العطاء.

إنسانية
عن المواقف التي حدثت للدكتورة نبيلة العوضي أثناء عملها ولا تنساها، تقول:
نحن لا نعالج المرضى في أغلب الأحيان، بل نقيم وضع الموظف الصحي وملاءمته لوظيفة في بيئة الطيران. أحياناً يؤدي تقييمنا للحالة إلى فقد الشخص الوظيفة، أتذكر قصة طيار قبل حوالي 9 سنوات احتفل مع زملائه بترقيته، ولسوء حظه تعرض لحادث سير في اليوم نفسه وأصيب إصابة بالغة، وكان قرار طبيبه المعالج أنه غير مؤهل لاستكمال مسيرته المهنية كطيار. لجأ إلينا للمساعدة بصفتنا الجهة الرسمية لاعتماد التراخيص الطبية. كان قرار مساعدته نسبياً غير وارد، ولكننا فضلنا إعطاءه فرصة تفادياً لأي خطأ في التقييم يؤثر في ترخيصه ووظيفته مستقبلاً. وبعد خطوات رسمية معقدة استطعنا مساعدته وانتهينا بالسماح له بالعودة للطيران وما زال على رأس عمله ويتمتع بصحة جيدة. مشيرة إلى أن «الموازنة بين الحقائق العلمية والمشاعر الإنسانية هي المعادلة الصعبة والمتعة الحقيقية لنا عند مساعدتنا الطيارين بالحفاظ على وظائفهم من دون المساس بالسلامة الجوية».