تحدت الشقيقتان سارة ووردة عبد الله إعاقتيهما، لتقدما قصة إماراتية ملهمة لطفلتين أحبتا الرياضة منذ نعومة أظفارهما لتنسجا من الكفاح خيوطاً من النجاح بخطى ثابتة وواثقة، وتحققا معاً الحزام الأزرق في رياضة الباراتايكواندو متجاوزتين كل العقبات التي من شأنها أن تقف عائقاً أمام أحلامهما التي لطالما رسمتاها في مخيلتيهما لتتجسد اليوم حقيقة على أرض الواقع.

تقول سارة (13 عاماً)، والتي ولدت بضمور في أطرافها الأربعة وإصبعين مفقودتين في يدها اليمنى ولا أصابع في يدها اليسرى، إن إعاقتها الجسدية لم تمنعها من أن تحلم وتسعى لتحقيق أحلامها، مضيفة: «لم أشعر بأي نقص منذ بدأت في تدارك حالتي الجسدية بفضل دعم والدتي التي بذلت مجهوداً كبيراً منذ ولادتي لإيجاد حل لفقدان أطرافي الأربعة عن طريق إجراء عمليات جراحية، ولكن مع صعوبة إجراء مثل هذه العمليات والاحتمالية الكبيرة لفشلها، صرفت نظراً عن هذا الموضوع وحاولت إيجاد حلول بديلة بتعليمي برفقة شقيقتي وردة، التي ولدت بضمور في ساقها اليسرى، بعض المهارات الحياتية التي من شأنها مساعدتنا على الاعتماد على النفس بشكل تدريجي».

كسب الثقة
وعن بدايتها مع الرياضة، تقول سارة: «عندما التحقت بالمدرسة بدأت في الانطلاق بشكل طبيعي، وكنت أشارك في حفلات اليوم الوطني مثل باقي زميلاتي، كما حرصت على الانضمام للنشاط الرياضي بالمدرسة ومارست رياضات السباحة والباليه والكاراتيه، حيث ساعدتني ممارسة هذه الرياضات المتنوعة على الاندماج في المجتمع وكسب مزيد من الثقة بالنفس، الأمر الذي عاد بالإيجاب على تحصيلي الدراسي، إذ إنني دائماً ما أحصل على المركز الأول على مستوى جميع المراحل التعليمية مثل شقيقتي وردة المتفوقة دراسياً، لتقرر والدتي بعد ذلك انتسابنا إلى نادي دبي لأصحاب الهمم، حيث تخصصت في رياضة ألعاب القوى، ولكن لم تحدد حتى الآن الفئة التي سأشارك ضمنها في البطولات».

المركز الأول
ومن جانبها تتميز وردة (10 أعوام) بقوة إرادتها وحبها للنجاح والتفوق في جميع جوانب حياتها، لتتمكن برفقة شقيقتها سارة من ممارسة رياضة الباراتايكواندو والحصول على الحزام الأزرق، وتقول وردة: «أشعر بسعادة كبيرة خلال حصصي التدريبية بالنادي التي تعمل على تقوية عضلاتي وتساعدني على تحقيق طموحاتي، سواء مع رياضة الباراتايكواندو أو الريشة الطائرة التي حققت بها المركز الأول في بطولة الأولمبياد المدرسي، حيث لا يوجد مستحيل إذا وجد بداخل الإنسان أمل ويقين بأنه يستطيع، فالإعاقة الحقيقية تكون في العقل أمام إعاقة الجسد لا يمكن أن تمنع أصحاب الإرادة من المضي قدماً في الحياة، الأمر الذي شجعني برفقة وردة للمشاركة في ترايثلون دبي للسيدات، حيث استمتعنا كثيراً بأجواء المنافسة المتنوعة».

مذيعة وطبيبة
لم تكتفِ الشقيقتان بالتفوق الرياضي والدراسي، بل امتد نبوغهما مع حفظ القرآن الكريم، حيث تمكنت سارة من حفظ 10 أجزاء من القرآن الكريم ووردة 5 أجزاء، لتحصلا على العديد من الجوائز مثل المركز الأول في جائزة الأمير سلطان بن سلمان لحفظ القرآن الكريم بالسعودية لعامين متتاليين، فضلاً عن الجوائز التي حصلتا عليها في مسابقة الشيخة هند للقرآن الكريم وغيرها من المسابقات، وأبانت وردة: «بفضل والدتي تمكنا من تنظيم وقتنا بين المدرسة والتدريبات وحفظ القرآن، فضلاً عن عشقي للمشغولات اليدوية التي تعلمتها في أوقات فراغي، حيث تمكنت من صنع الاكسسوارات الخاصة بي وحياكة حقائبي من خلال تعلم غرز الإيتامين».
«لم تزدهما عثرات الحياة سوى إصرار وقوة في المضي قدما نحو تحقيق أهدافهما»، بهذه الكلمات بدأت والدة الشقيقتين حديثها عن ابنتيها سارة ووردة لتعبر عن فخرها الكبير بعزيمتهما الباهرة وطموحهما العالي الذي ليس له سقف، قائلةً: «على الرغم من إعاقة ابنتيّ الجسدية إلا أنهما تحلمان بتكملة مسيرتهما الرياضية، بالإضافة لاجتهادهما في الدراسة، حيث تتمنى سارة أن تلتحق بكلية الإعلام لتصبح مذيعة في المستقبل. أما وردة فتحلم بالالتحاق بكلية الطب البشري تخصص طب أطفال لتساعد الأطفال المرضى، وخاصة من أصحاب الهمم».

دعم
حرصت والدة الشقيقتين سارة ووردة على شكر القيادة العامة لشرطة دبي لدعم مبادرة التأهل بالباراتايكواندو، والتي كان لها الدور الكبير في تطوير مهارات وقدرات أصحاب الهمم، إذ إنها عززت لديهما الثقة والاعتماد على النفس، فضلاً عن الدور الكبير الذي قدمه نادي دبي لأصحاب الهمم في تغيير حياة سارة ووردة إلى الأفضل ومساعدتهما على تجربة العديد من الرياضات في طريقهما للبحث عن شغفهما إلى أن تألقتا في رياضة الباراتايكواندو، لتحققا الميدالية الفضية في بطولة اتحاد الإمارات للتايكواندو.