إن طال الليل، وعز بزوغ الفجر، وأصبحت الدقائق موحشة، لكلٍّ عاداته في حث الوقت على المضي. واحدة من عاداتي، التي لا أدري إن كانت سيئة أم جيدة، أنني عندما أشعر بالأرق لا أبقى في السرير أبداً، وأحياناً لا أبقى في البيت، أستقل سيارتي وأجوب الشوارع بحثاً عن النعاس. قبل أيام عدة قمت بالطقس نفسه، إلا أنني هذه المرة «وهي من المرات القليلة» كنت أعرف أين أتوجه.. لأكبر معرض كتاب في الشرق الأوسط، «بيغ باد ولف»، الذي اعتادت الإمارات أن تنظمه، كما ماليزيا وإندونيسيا وباكستان. هو تقريباً متجر للكتب يتعامل مع الكتب الفائضة من الموزعين الدوليين، يقام لأيام عدة، ويبقى مفتوحاً لـ24 ساعة في اليوم. وهذه صراحة، واحدة من مميزات العيش في دولة الإمارات، أنك دائماً تجد ما تفعله لو جافاك النوم، وأنك تحصل على مثل هذه الفرصة لشراء كتب بأسعار زهيدة.
لفتني أنه ما زال هناك زوار لهذا المعرض بعد الثانية منتصف الليل، لا أدري إن كانوا يعانون الأرق هم كذلك، أم أن لديهم أسباباً مختلفة، صحيح أن جلهم من الأجانب، إلا أنني قدرت التوقيت الغريب للزيارة، رافضة فكرة أننا من الأمم التي لا تقرأ، ولا تغريها زيارة أوكازيونات الكتب، خاصة عندما تبادرت لذهني صور التنزيلات في محلات الإلكترونيات أو محلات الملابس، أو عند طرح منتج تكنولوجي جديد، كيف يبيت الناس على الأبواب المغلقة، منتظرين أن تفتح، ليكونوا أول الزائرين.
المهم جلست حتى الصباح تقريباً، وأنا أتصفح عناوين ومؤلفين، لأختار ما أريد قراءته، لأن هذا المعرض فيه مئات الآلاف من الكتب، أمضيت ساعات في غاية الرضا والراحة، وللأمانة لم أشعر بالضيق، إلا عند كاونتر الدفع، عندما وجدت أن كتاب المثقفين لسيمون دو بيفوار مثلاً، يباع بـ10 دراهم، أي ما يعادل 3 دولارات، وأن رواية لنيكوس كزانتزاكي تباع بالسعر نفسه تقريباً، وكذا إدوارد سعيد، ديستوفسكي جون ميلتون، ألبير كامو، هيغيل، إيمانويل كانط، فرانز كافكا، تولستوي، سيرفانتس. بينما تلك التي اخترتها للمؤلفين العرب، وبعضهم غير معروفين كثيراً، ولا أود ذكر الأسماء هنا، يباع الواحد منها في مثل هذا المعرض بـ70 درهماً أي ما يعادل 20 دولاراً... القصة ليست بالسعر، لكن هذا دفعني إلى التساؤل: هل اللآلئ الفكرية، التي بين دفتي كتب المؤلفين العرب، أكثر جودة وبريقاً، مما تحتويه كتب من ذكرتهم سابقاً؟
اخترت، دفعت، وخرجت من دون ندم.