على الرغم من أن الصمت هو حالة سلبية في ظاهرها، إلا أنها تشكل بعداً معرفياً وموقفاً مهماً يطعن في خاصرة الحياد، والمتعارف عليه في الحالات السلبية، أو المسالمة أو كما يحلو للبعض تسميتها بالرمادية.
فهل للصمت صوت؟ وهل للصمت رأي؟ وهل في الصمت كلام وأسرار؟
كل تلك الأسئلة تحمل إجاباتها بداخلها، فالصمت ليس ما يمثله بظاهر المعنى، فهناك أسرار للصمت يعرفها الجميع بعد الممارسة، فالصمت في حضرة كبار السن هو احترام وتقدير لهم، والصمت والإنصات حين يتحدثون هو رأي منا بضرورة الاستماع لهم وعدم مقاطعتهم.
والصمت ذاته حين يتحدث طفل، يعبر عن تشجيعنا له، ودعمنا له وعدم إرباكه، فهو صمت تغلب عليه الابتسامة، يناقض تماماً صمتنا احترامنا لأنفسنا، حين يتم الحديث عن صديق غدر أو خان، أو صديق لم يقدر الصداقة حق قدرها وهانت عليه العشرة، إنه صمت مشوب بالأسف ومخضب بكبرياء النفس، والترفع عن صغائر الأمور.
هناك أسرار كثيرة في الصمت لا تحصى، وكل فرد منا يعرف متى يصمت، ولماذا يصمت في وقت يكون الصمت أكثر جدوى من الكلام، وربما يكون أكثر إيلاماً من الصراخ والغضب والتعصب، وربما يكون أكثر قسوة من الشتيمة في بعض الأحيان.
وحين تصمت أمام شخص ما جرحك، وتقف أمامه صامتاً في الوقت الذي كان ينتظر منك نظرة الهزيمة بعينة وكلمات العتاب منك، وأنت تعطيه صمتاً فيه دلالات النصر، أقرب ما يكون للمثل الصيني، الابتسامة في شفاه المهزوم تذهب فرحة المنتصر، ذاك الصمت المهيب، يكون أحياناً مرعباً للآخر.
أما في الحب فللصمت قصص وحكايات، وكما تحدث الشعراء عن جمال الكلمات التي تقولها الحبيبة، فقد تحدثوا عن لحظات الصمت، كما قال شوقي:
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت     عيني في لغة الهوى عيناكِ
وقد يعتقد البعض أن الصمت أكثر ما يكون فعالاً في التعبير عن المشاعر، وهو أمر صحيح ولكنه لا يقتصر على ذلك فقط، حيث إن الصمت له ما له في السياسة من مواقف، يكون الصمت معبراً عن موقف يحتاج إلى الكثير من الكلام والشرح ليصل الموقف، ويكون الصمت أفضل وسيلة للتعبير.
إن أسرار الصمت كثيرة كما هي الأسرار بالكلمات وبالإشارة، وربما تكون أبلغ في أحيان كثيرة، فحين يصمت الخائن للوطن أمام المحقق، لن تكون كلمات الندم أكثر تعبيراً أو أصدق من ندمه على ما فعل، لقد رأيت تلك النظرة في بعض الوجوه، وكانت تروي قصصاً وأحاديث من دون صوت، كان يكفيه الصمت رأياً، وختاماً ففي اليابان هناك احترام للصمت، فلا يتحدث أحد بصوت مرتفع في الأماكن العامة، احتراماً للصمت.
شـعر

لم يكن يكتبُ شعراً لا

رأيهُ، والرأيُ حرٌّ في البلدْ

ولم يظهر على التلفاز

موتهُ، والموتُ حرٌّ في البلدْ

لم يجلس على المقهى ككل العاشقينْ

صمته، والصمتُ رأي الخائفينْ

يتشفى باغتيالات الرجال الخائنينْ

صمته، والصمت صوت الخائفين

يتأسى باغتيالات الرجال الطيبينْ

لم يكن يوماً سعيداً

هو لا يملي على أي أحدْ

لم يكن يوما حزينْ