لماذا تنتابني عادة حالة غريبة من التمنع والأرق أمام شاشة الحاسوب، كلما أردت نقر لوحة المفاتيح لكي أكتب؟ أتساءل عن ذلك وأنا رجل يمكن لقصاصة صفراء واحدة أن تتسع لجميع أفكاره ومشاعره، وأظن أن ذلك التساؤل منطقيٌّ لشخص يعتقد أن الحياة عبارة عن متاهة أو ورطة.
كنت جالساً في مقهى يتسم بالهدوء، منشغلاً بقراءة رواية، رآني صديق لي وقال: لماذا تصر على جلب الكتب هنا لتوهمنا بأنها كائنات حية، وأضاف: في زمن الإنترنت قد مات الأدب. برغم تفهمي للأسباب التي دفعته لقول ذلك، إلا أنني تذكرت جيل دولوز واستخدمت رده عندما سئل مرة عن موقفه، مما يقال عن موت الفلسفة، فردّ بأنه ليس هناك موت، وإنما محاولات اغتيال.
منذ مدة، قرأت البيان الصحافي للكاتبة أولغا توكارتشوك بمناسبة فوزها بجائزة نوبل للآداب 2018، حيث ذكرت أننا نحن الكتّاب في هذه الأيام علينا أن نواجه تحديات غير محتملة، فالأدب فنٌّ بطيء الحركة، حيث إن عملية الكتابة تستغرق وقتاً طويلاً، مما يجعل من الصعب مواكبة عالمٍ متحرك. هذه الشهادة تعكس حالة التوتر التي يعيشها الأديب بعد طغيان الإنجازات التقنية التي تعمل على تحويل الحياة إلى سلة خوارزميات.
في كتاب (الروايات التي أحب)، ذكرت الدكتورة لطيفة الدليمي أننا نعيش وسط بيئة محكومة بقيود الوسائط الرقمية التي تعمل وفق خوارزميات محددة، وقد أدى هذا الأمر إلى خفوت في القدرات التحليلية والفلسفية، والابتعاد عن القراءة وضعف الإقبال على الكتاب ودور الثقافة، الأمر الذي أسهم في تراخي النزعة الإنسانية وشيوع نوع مستحدث من العبودية الرقمية، وأفردت الدليمي أسباباً عدة تجعل من الرواية (وقد تنسحب تلك الأسباب على باقي الحقول الأدبية) الأكثر تحقيقاً لشروط الأصالة، والأكثر إيفاء بمتطلبات الشغف البشري، من ضمن تلك الأسباب، أن الرواية يمكن أن تكون وسيلة ثورية مضادة لنزعة التنميط الخوارزمي.
وعودة لحديث أولغا، أنهت البيان قائلة: (أؤمن بأدبٍ قادرٍ على توحيد الناس، إذ ينطوي على هذا الإيمان مهمة أخرى، لا يمكن للأدب أن يجد بديلاً يقوم عوضاً عنه، وهو عملية توحيد الناس).