هنا حيث تركتني في آخر مرة، دوماً على حافة الانتظار، معلقة بين موت لا يأتي، وحياة مستعصية. أبحث عنك في عمق الإجابات الهشة، وفي صوت الريح المشتعلة في الأعماق: هل أنت حقيقة لي حبيبي؟ أم لها؟ أم لهن جميعاً في نفس ميقات الشهقة الأخيرة؟ لماذا إذاً انسحبتَ في صمت، وتركتني أبحث عني. هل أنت هو الرجل الذي سلمني مرفأ الشوق، لأرى المدينة والناس من مرتفع الروح، بعين أملكها للمرة الأولى؟ هل أنا من تموت فيّ، أم أنت من قتلني ثم نفض أصابعه من دمي وصراخي؟ أم هي جنازتك بلغتي المستعارة؟ عمر الفراشة لحظة بعد صحوها، عمر الوردة لحظة، فهل هو نظام الحياة أن تموت فيّ الحياة؟
هل أنت هو أنت؟ كما لو أني أراك لأول مرة. لا يكفي حبيبي أن تهديني وردة كما الواجب وتمضي. هناك ورد يصل، وآخر يظل معلقاً على العادة، قبل أن يأكله النسيان. لا تكفي كلمة أحبك مغلفة بألف شكل للخوف، فأنا أحتاجك فيّ. كلما غفا القلب ثم نام في خلوة الحزن، حضرتَ أنت ووضعت على صدره وردة المستحيل. لا تكفي لمسة العابر لتوقظ جسدي من سبات الموت. أريد ملمساً يشفي القلب من جرح الغياب. سلمني قلباً لم تمنحه لغيري، هل تراك تستطيع؟
بعد كل ما جرى بيننا، هل تأذن لي حبيبي بأن أنسحب الآن؟ فقط لأراك كما أشتهي.
يا هبلي وكلّي، امنحني فرصة العاشق لأن أكونك، قبل أن تسترجعنا رياح النهاية. وإذا كنتَ ما زلتَ تريدني بعد كل هذه الهزائم، فخذني برفق حبيبي، لقد أصبحتُ هشة وأخشى أن أموت بين يديك. جسدي رماد فراشة التصقت بقنديل النار، فاندثرت، أو كادت. تحسسني إذا اشتهيتَ، فقط لكيلا أتبعثر بين كفيك. ادفنّي حيث تشاء، في جسدك، أو حتى تحت لهب البراكين، أو في صمت نجمة العاشقين. لا تنسَ أن تكتب على شاهدة ظلي، قبل أن تغادر المكان منكسراً: هنا دفِن رماد الحنين. بعدها اقفل كتابنا السري، بعثر أوراقه في البحر واجعله طعماً لصدفة العابرين، أو احرقه حبيبي، فلن يلومك أحد، فليس هناك من يطالب بخوفي ورمادي، كل من عرفتهم قبلك خرجوا يوم وضعتَ قلبك في كفي. أو ادفنه بين موجتين. ربما كان البحر رحيماً، فالحياة فشلت معي، في أن تكون حياة.
لم تتغير حبيبي إلا قليلاً، كما لو أني أراك لأول مرة.