أتمم اليوم عامي الأول كتابةً في مجلة «زهرة الخليج». أبدو كما لو أني لا أصدق وأنا أكرر بيني وبين نفسي فيما يشبه الفجيعة: سنة؟!
لا شأن للأمر بحزني لأني أمام حقيقة أني كبرتُ سنة، فالأمر لا يعدو كونه أني ما تصورت في يوم أن أكتب مقالة بشكل منتظم، وإن كان أسبوعياً، فالالتزام قيد، ويبدو الأمر ملزماً على نحو مرعب لا تستوعبه طباعي. كنت أؤمن بأن الكتابة، بوصفها حُرية، هي التي تنتقي أوقات تخلُّقها دونما ارتكابٍ مع «سبق إصرار وترصُّد»؛ ارتكاب الفعل الكتابي والإصرار على إنهائه بعد ترصُّد الفكرة.
لم أكتب المقالة يوماً بانتظام، عدا مرة واحدة بمعدل مقالة في الشهر، بشكل مستمر لست سنوات قبل خوضي تجربة كتابة الرواية، واعتدتُ فيما بعد أن أتوقف عن كتابتها فور اشتغالي على كتابة عملٍ روائي، ولكن تجربة الكتابة الأسبوعية الآن، بعد مرور عام، منحتني أدوات جديدة كنت غافلاً عن أهميتها، فبصرف النظر عن الحضور المختلف الذي يُخلي لي ركناً حميماً أجلس فيه إلى جوار القارئ، بعيداً عن شخوص رواياتي وعوالمها نتحدث في هموم الحياة اليومية، فإن كتابة المقال تطويع وتمرين على فعل الكتابة، وهو ما يحتاجه أي كاتب، بأن يكون الفعل الكتابي حاضراً عن قرار، عوضاً عن ترف انتظار لحظة تجيء فيها فكرة تحفز المزاج، قد تجيء أو لا تجيء.
كتابة المقالة وتسليمها في الموعد، «أحياناً»، منحاني مقدرة على كتابة الرواية بالآلية ذاتها، أن أعقد ميثاقاً بيني وبين ذاتي على الكتابة وضرورة الإيفاء بالميثاق، أن أبدأ في الكتابة وحسب، وعدم الانشغال بكيفية إنهائها، فإن بدء الكتابة قرار الكاتب، وإنهاءها قرار النَّص وحده!
في كتابة المقالة أنقي الرواية من الشوائب العالقة في نفسي مما أمر به، بطبيعة الحال، في الحياة اليومية، حيث تتخفف الرواية وتتحرر من همومي الشخصية التي تتسرب لحظياً في مقالتي الأسبوعية، وقتها فقط أستطيع أن أُخلص لهموم الآخرين، ومعايشة ظروفهم ونفسياتهم وأنماط تفكيرهم وسلوكهم في الرواية. في المقالة أتخفف من اشتراطات اللغة التي يفرضها موضوع الرواية، وأدرك قارئاً جديداً، ليس بالضرورة قارئاً للأدب، قد لا يعرفني بغير زاويتي الأسبوعية، كما لو أن أحدنا يزور الآخر، يلقي تحية، لا يثقل بالحديث قبل أن ينصرف على وعد لقاء في أسبوع مقبل.
كتابة المقالة منحتني أنانية مشروعة بأن أحكي ما يشغلني، بالشكل الذي أريده أنا، رأساً إلى المعنى دونما قلق السقوط في فخ المباشرة.
وبمناسبة مرور سنتي الأولى في «زهرة الخليج».. كل زهرة وأنتم بخير.