حين تُصاب امرأة، أيّ امرأة، بـ«سرطان الثدي» يُطرح سؤال أوّل: هل في عائلتها إصابات سابقة؟ أمّ، أخت، خالة، جدة؟ فلنطرح السؤال في صيغة ثانية: لماذا هناك نساء معرضات للإصابة أكثر من نساء؟ وهل الفحص الجيني قادر على أن يُحدد باكراً نسب الإصابة؟

يُصار إلى تشخيص إصابة أكثر من 190 ألف امرأة ورجل بـ«سرطان الثدي» في الولايات المتحدة الأميركية سنوياً. ولا أحد يعلم، إذا كان السرطان سيتطور أم لا، لذا يبحث كثيرون عن سُبُل فهم عوامل الخطر أكثر من أجل اتخاذ تدابير وقائية أسرع تُقلّل من احتمالات الإصابة.
2000 حالة تُشخّص فقط لا غير بين الرجال، لذا التركيز على نون النسوة بحثاً عن عوامل الخطر لديهنّ. وهنا، حتى ولو كان النساء يرفضن ذكر أعمارهن، لكن عامل العمر في «سرطان الثدي» يؤخذ في الحسبان، حيث إن من 10 إلى %15 من النساء، تحت سن الـ45، يُصبن به أما 85 إلى %90 فتحدث لدى نساء تجاوزن سن الـ60.
يحدث «سرطان الثدي» عندما يتغير الحمض النووي في خلايا الثدي، مما يُعطل وظائف محددة تتحكم في نمو الخلايا وانقسامها. وفي كثير من الحالات، تموت هذه الخلايا المتحولة أو تتعرض للهجوم من قِبل الجهاز المناعي، وتنمو بلا مراقبة وتُشكّل ورماً في الثدي. لماذا يحدث كل هذا؟ يُقال إن للسمنة علاقة. لكن، ما يجزم به كثيرون هو أن من يرثنّ طفرات في جينات محددة يكنّ معرضات جداً للإصابة بـ«سرطان الثدي».

طفرات ووقاية
ماذا يُقصد بهذه الطفرات الوراثية؟ وهل يُمكن الإحاطة منها عبر فحوص جينية مبكرة؟
الطفرات هذه تحدث في جينات BRCA1 وbrca2 التي تساعد، في حالاتها الطبيعية، على صنع بروتينات تعمل على إصلاح الحمض النووي التالف. ويساعد الفحص الجيني على كشف وجود مشاكل وراثية محتملة. وهذا يعني، بكلام آخر، أن على الأطباء مراقبة السيدات اللواتي لديهن استعداد للإصابة ويواجهنّ تغيرات في الجينات.
المرأة التي تُصاب بطفرة في الجينات المسؤولة، التي ذكرناها، لديهنّ فرصة للإصابة تصل إلى سبعة من كل 10 نساء في سنّ الـ80. ويزيد هذا الخطر أو ينقص بحسب عدد النساء المصابات في الأسرة الواحدة. والتغيير الجيني هذا يُعرّض النساء لخطر أعلى للإصابة بـ«سرطان المبيض» وبعض أنواع السرطان الأخرى. فمن هن النساء المعرضات للإصابة أكثر؟ هن اللواتي مررن بمرحلة انقطاع الطمث وأصبن حديثاً بالسمنة، لأن من شأن الأنسجة الدهنية، خصوصاً حول الخصر والبطن، زيادة مستويات هورمون الأستروجين، وهذا من شأنه زيادة خطر الإصابة. ثمة سبب آخر يُعزز وجود هذا الخطر لدى النساء اللواتي يبدأن الحيض باكراً، أي قبل سن الـ12، ويتأخر انقطاع الطمث لديهنّ إلى ما بعد سن الـ55. هؤلاء لديهن مخاطر أعلى للإصابة بسبب تعرضهن فترة أطول لهرمونات الأستروجين والبروجستيرون.

طويلة أم قصيرة
الأطباء يُدرجون بين مسببات الإصابة المرجحة طول المرأة! أتصدقنّ؟ كشفت دراسة جديدة أن النساء الأكثر طولاً عرضة للإصابة بـ«سرطان الثدي» أكثر من النساء القصيرات، وقد يكون لهذا علاقة بعوامل تؤثر في النمو وكثافة أنسجة الثدي.

سؤال آخر يُطرح، ماذا يُقصد بكثافة أنسجة الثدي؟
يتكون الثدي من أنسجة دهنية وأخرى ليفية ومن أنسجة غددية. وهو يظهر أكثر كثافة عند تصويره بالأشعة السينية كلما كانت كل تلك الأنسجة أقل. والأثداء التي تظهر كثيفة عند التصوير الشعاعي (الماموغرافي) معرضة لخطر الإصابة مرتين أكثر من سواها. وهناك عوامل عدة تؤثر في كثافة الثدي، بينها العمر وحالة انقطاع الطمث واستخدام بعض الأدوية والحمل والوراثة.

تزيد نسبة المصابات بـ«سرطان الثدي» المتحدرات من بيوتات عانت مسبقاً منه يتجاوزن %15 من النسبة الكلية للإصابة.
المرأة التي تتحدر من عائلة واجهت النساء فيها، من درجة القرابة الأولى، طفرة جينية لديهنّ فرصة وراثة الجين المتحور بنسبة %50.

النتيجة إيجابية
إذا كنت تشكين في أنك قد تنضمين إلى لائحة المصابات بـ«سرطان الثدي» راجعي طبيبك. أخبريه عن كل الهواجس والتوجسات. وهو سيساعد حتماً في توجيهك إلى كيفية إجراء الاختبار الجيني، حول الطفرة الجينية الخاصة بهذا الخبيث، ويتم هذا عبر أخذ عينة صغيرة من الدم أو اللعاب وتُرسل إلى المختبر لتحليلها. وقد يستغرق صدور النتيجة أسابيع أو حتى أشهراً. وإذا أتت النتيجة إيجابية معناه أن المرأة تحمل طفرة الجين ومعرضة، أكثر من سواها لتطور الخبيث. أما إذا أتت النتيجة سلبية فليس معنى هذا استبعاد الإصابة كلياً، لأن ثمة حالات سرطان ثدي ليست وراثية أو قد يُظهر الاختبار العثور على طفرة في الجين من دون أن يُحدد لها أي تأثير على فرص الإصابة بـ«سرطان الثدي». لهذا لا بُدّ من الفحوص السنوية بعد سن معينة لوقاية مبكرة أكثر دقة.

سؤالٌ آخر لا بُدّ منه، أيُّ خيارات يفترض أن تتخذ في حال أتت نتيجة الاختبار الجيني إيجابية؟
تبدأ هنا عملياً خيارات إدارة مخاطر الإصابة بالسرطان، وتبدأ بالمراقبة في سن مبكرة عبر التصوير الشعاعي والرنين المغناطيسي. ويُنصح هنا بإزالة المبايض مما يُقلل من خطر الإصابة. وباعتماد نظام غذائي خاص ونشاط بدني.