في سانت بطرسبرغ في روسيا، المدينة التي تشتهر بآثارها المعمارية وقصورها ومتنزهاتها التي بنيت وصممت منذ القرن الـ18، يشمخ «قصر بيترهوف» الذي بناه حاكم روسيا يومها بطرس الكبير، واعتبر في وقتها معجزة هندسية من حيث المساحة والتصميم، وشاهداً على حقبة تاريخية زاخرة بأحداثها.

يشار إلى «قصر بيترهوف» و(هي تسمية باللغة الهولندية تعني «قصر بطرس»، ويعرف أيضاً عالمياً باسم «قصر فرساي الروسي»)، وإلى مجموعة الحدائق المحيطة به، بالتحفة المعمارية الاستثنائية بهندستها وفخامتها على صعيد أوروبا كلها. بنى هذا القصر الإمبراطور الروسي بطرس الأكبر في سانت بطرسبرغ، ليشبه قصر فرساي الذي زاره في عام 1717، وذلك إبان حكمه روسيا مع شقيقه إيفان الخامس. ويقع القصر على بعد 18 ميلاً من سانت بطرسبرغ، على مساحة 1500 فدان، تحيط به الحدائق و173 نافورة ماء تتغذى من ينابيع تحت الأرض، ويعتبر من مواقع التراث العالمي لليونيسكو.

التصميم
يقع «قصر بيترهوف» على شاطئ خليج النيفا (أو خليج كرونشتادت)، هو من توقيع المهندس المعماري الفرنسي جان باتيست لو بلوند. ويضم عدة حدائق صممت على طراز الحدائق الفرنسية في القرن الـ17 ومجموعة من القصور الداخلية مثل Monplaisir وMarli، ومتحفاً يعرف باسم Hermitage، وعدداً من القنوات المائية، وشلالاً كبيراً صممه الإمبراطور بطرس الأكبر بنفسه، بالإضافة إلى مجموعة هائلة من البحيرات الصغيرة أو البرك. كما يزدان القصر بالمرمر والتماثيل المصنوعة من الذهب والموجودة داخل غرفه أو في حدائقه وعند نوافيره.

النوافير
لعل أكبر إنجاز تكنولوجي في تصميم نوافير القصر، هو أنها تعمل من دون استخدام المضخات، وتوفر مياهها من الينابيع الطبيعية التي تتجمع في خزانات الحدائق الموجودة فيها. ومن التصاميم الأكثر شهرة تلك التي تسمى «الشمس»، ومنها تشع عبر نفاثات الماء الموجودة على حافة النافورة، صورة لأشعة الشمس، بحيث يدور الهيكل بأكمله حول محور عمودي ويتغير ليواجه الشمس باستمرار. وغالبيةُ البِرك المائية مزينة بتماثيل مطليةٍ بالذهب، تماماً مثل نافورة سامسون (أو شمشوم الجبار) وهي من أعمال النحات الروسي ميخائيل كوزلوفسكي، (1753-1802) وتجسّد تمثال سامسون وهو يفتح فم الأسد بالقوة فيما يفيض منه الماء ويتدفق لأعلى إلى ارتفاع 65 قدماً.

الحدائق
تمتد الحدائق السفلى من القصر على مساحة كيلومتر ونصف تقريباً، وتمتد إلى الشرق والغرب لنحو 200 متر، وهي تضم معظم نوافير«بيترهوف» والعديد من القصور الصغيرة والمباني الخارجية، كما يتوسط هذه الحدائق «القصر الكبير» الذي هو محور مجمع القصور، وجنوبه تمتد حدائق علوية صغيرة نسبياً، أما أسفله فتوجد حديقة الـ Grand Cascade التي تم تصميمها على طراز حدائق قصر الملك الفرنسي لويس الـ14، وتتوزع فيها 64 نافورة تتدفق مياهها إلى بركة نصف دائرية. كما لا يمكن تجاهل الشلال داخل القصر الكبير والمغارة الاصطناعية من طابقين، وأيضاً المتحف المتواضع الذي يضم تحفاً ومقتنيات استخدمها سكان القصر حينها.

الترميم
بطرس الأكبر الذي شجع الفنون والعلوم الأوروبية والغربية على الدخول إلى روسيا، كان وراء اعتماد الفنون والطرق الهندسية والمعمارية الجديدة في روسيا، ووراء بناء التحفة الفنية التي تدعى «بيترهوف». وقد شهد هذا القصر ويلات الحرب العالمية الثانية ودُمرت معظم معالمه، واستولت عليه القوات الألمانية في عام 1941 واحتجز حتى عام 1944، ولكن في الفترة بين الغزو الألماني للاتحاد السوفييتي وظهور الجيش الألماني، استطاع عمال القصر إنقاذ جزء من كنوزه، ليعاد ترميمه بالاستناد إلى صوره القديمة ليعود أجمل مما كان. وربما يكون التغيير الأحدث والأكثر أهمية في القصر، هو طلب الإمبراطورة الروسية إليزابيث إضافة أجنحة جديدة بين عامي 1745 و1755 من تصميم المهندس المعماري الإيطالي Bartolomeo Rastrelli، وكذلك زيادة نوافير جديدة.