الطقوس التقليدية الخاصة بالكتابة بدأت تنقرض مع التطور التكنولوجي، بعد أن كان الكاتب يحلم بالتفرغ للكتابة ويبحث عن ركن ليمارس فعل الكتابة بعيداً عن ضوضاء الحياة، نجده أصبح يستيقظ من الحلم ليتناول هاتفه الذكي وينشغل بالعالم المحيط، وأظن أن هذا ما أفقد الكتابة فخامتها لتصبح أكثر استهلاكيةً.

الكتّاب الكلاسيكيون من أنصار أقلام الحبر والرصاص انجرفوا أيضاً في هذه الدوامة، ونسوا أن دورهم هو تقديم نصوص لائقة، في شبكات التواصل الاجتماعي، وليس على أوراق الكتب فقط. وكأن لكل زمان موجته التي تجرف الأغلبية نحو مصير واحد.

على مستوى كبار المثقفين في أغلب الدول العربية، الذين صمدوا في وجه هذه التيارات، نجد مشكلة الغناء الفكري والفقر العلمي، وهذا الفارق يربك كثيراً منظومة الاستقرار النفسي عند المثقف العربي، فتارة ينجرف نحو الآخر منبهراً بتقدمه العلمي واحترامه القانون ونجاحه الاقتصادي، وتارة يرجع تائهاً إلى مجتمعه الذي يرى فيه كثيراً من العراقة والإنسانية والقيم الراسخة، وطوراً يُستفز عندما تستبدل هذه القيم بقانون الغاب في مجتمعه، ليسقط المثقف في هاوية اليأس، حين لا ينجح صوته المبحوح في تغيير هذا الواقع المؤلم.


لكن تبقى الإمارات حالة خاصة؛ لأنها اهتمت منذ تأسيسها بالإنسان، فمعشر الأدب والفن يجدون فيها ملاذاً لإثبات الوجود وبلوغ النجاح واستثمار الفكر والإبداع. وأنا بطبيعة الحال أحاول دائماً اغتنام الفرصة المتاحة على هذه الأرض الطيبة، وزراعة بذور نصوص جديدة كل يوم. أخبر نفسي أن قليل الكلام يحمل المعاني الكثيرة، لذلك فإن القصيدة الجديدة لن تكون إلا ومضة، تشكل صدمة في كيان المتلقي، لذلك فإن كيان الشاعر يجب أن يتعرض لصدمات كثيرة أو يلج في دهاليز مظلمة وخطرة؛ ليستطيع تكوين تلك الومضة. ولكن يجب أن نطمح إلى أن يبقى أثر ما نكتبه اليوم في المستقبل، رغم أننا لا نكتب الحاضر، ونخبئ كثيراً مما نعيشه، وأظن أن أكثر ما نخبئه اليوم عن حياتنا سيكون مادة دسمة بعد رحيلنا، ويعلم الجيل القادم أن ما لم نستطع قوله كان أبلغ كثيراً مما قلناه، تحت سطوة الظروف وهطول سحابة صيف حزينة.