ولأننا بشر مجبولون على أن نكون في جماعات وليس أفراداً، ولأنه لا يوجد أقسى من الوحدة، خلق الله حواء لآدم، وجعل للناس من أنفسهم أزواجاً، وجعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف. لكن يحدث أن تكون كثرة المعرفة بالناس مصدر داء لا دواء. تأتيك بمصائب وأمراض نفسية أنت بالتأكيد في غنى عنها. فتقرر ألا توجد إلا في محيط مريح بالنسبة إليك يمنحك الطاقة الإيجابية ويبعد عنك الطاقة السلبية، وأن تفتح قلبك أقل للناس، وألا تبوح إلا بما هو معروف ومسموح به، وإن فعلت ذلك فأنت من الموفقين.
أحياناً تشعر بالوحدة «وليس التفرد» وأنت بين الناس. كلامك غير مفهوم أفكارك لا قدرة لك على إيصالها للآخرين، تشعر كأنك من فضاء بعيد عن الكرة الأرضية جئت، فقط لأنك تتحدث من منطلقات منطقية لا علاقة لها بالأيديولوجيا أو الدين أو المجتمع أو العادات والتقاليد. منطق مجرد منطق. يتفق مع العقل ويتعارض مع أشياء أخرى، في هذه الحالة لن ترحمك مبررات ولا تفسيرات ولا توضيحات. مباشرة سيتم لصق أوصاف بك ربما تكون لأول مرة تسمعها، ببساطة لأنك خرجت عن النص. قديماً كان هذا نادراً ما يحدث، وإن حدث فيكون للكتاب، أو السياسيين، أو الدعاة، لكن الآن مع التطور التكنولوجي أصبح يحدث لأي كان، خاصة، من ارتضى أن تكون مواقعه الإلكترونية عامة، وأحب تمرير أفكاره من خلالها. وهنا عليك أن تختار واحداً من اثنين: أما أن يصبح جلدك ثخيناً لدرجة ألا يؤثر فيك ما تسمعه أو توصم به، أو أن تنعزل وتتوحد مع نفسك وتعود تجالس خير جليس في الزمان. والخيار لك إن استطعت.