قتل مئات الأشخاص في نيجيريا بسبب أخبار كاذبة نشرت في «الفيسبوك»، ولم يتكشف كذبها إلا بعد فوات الحياة. والكذب في الشاشة أخذ يسلك سلوكيات متنوعة، بعضها بسيط وينكشف بسرعة، بما أن الشاشة تتيح رواج الكذبة، كما تتيح كشف الكذبة، وهذا البسيط يجري بشكل يومي ومتصل في أخبار من كل نوع، سياسي واجتماعي وطبي وعلمي، وهذا أمره بسيط بما أنه قابل للانكشاف السريع، وبما أن ضرره محدود من حيث هو معلومات يمكن تصحيحها بحجة علمية، ولكن يتعقد الأمر حين يمس الكذب معنويات الناس ويؤدي إلى نوع من القتل المعنوي عبر تشويه الشخص، وتزداد الخطورة كما في حال المثال النيجيري، وقد تأخذ الكذبة مستويات عليا فتقتل شعباً كاملاً وتدمر بلداً وحضارة، مثل تقرير كولن باول عن أسلحة العراق عام 2003، وإن تم كشف الكذبة أخيراً، لكنها أدت غرضها التدميري، وهنا نرى الأدوار المزدوجة للشاشة في قدرتها السحرية على ترويج الكذب والصدق معاً، مع السرعة الهائلة والمفعولية الهائلة، والناس تعلموا تقليدياً تصديق ما يرونه بالعين، وتعودوا على عدم الوثوق بالسمع، ويقللون من مرجعية السمع ويهزؤون بمن يعتمد على ما يسمع، ولكنهم يمجدون دور البصر في النقل الموثوق، وقالوا في المثل: (فما راءٍ كمن سمعا)، وهذا القول أصبح قانوناً معتمداً في ذاكرة الثقافة وفي صدقية المرجعيات، ولكن الإنسان وجد نفسه يؤتى من حيث مأمنه، وصارت الشاشة تكذب عليه وتورطه بالتصديق بما أنها مشاهدة حية وبصرية، وهنا يفقد الإنسان آخر أسلحته في الوثوق بما يبصر، كما كان لا يثق بما يسمع، فقد أصبح في مأزق متكرر حين يكتشف أن ما يراه صار يكذب عليه أيضاً.