في بداية أي علاقة قد تبالغ المرأة أو الرجل في الاهتمام بالشريك وإرضائه، وذلك رغبة في التقرب منه أكثر فأكثر، ولكن ماذا يرى الشريك في ذلك؟ إنه يرى أن هذا الشريك يحاول أن يخفي أو يتستر على عيب معين فيها، ويوصل رسالة أنه غير كامل، ويحتاج أن يبذل مجهوداً أكبر حتى يكون محبوباً، ومرحباً به في حياة هذا الشريك. فالرغبة والمبالغة في إرضاء الآخرين، بصفة عامة، علامة على الإفراط في التعويض عن عيوب شخصية، ولكن الناس لا يعرفون كيف يقدرون أمراً امتلكوه بسهوله، ولم يتعبوا في الوصول إليه، بالعكس مع الوقت يرونه حقاً مكتسباً، ويشعرون بالغضب عندما يحرمون منه.

إذا قدمت أكثر من طاقتك وقدراتك في بداية علاقتك بالآخرين، وأعطيت كل ما لديك من عطاء، فسيصبح هذا الوضع هو الطبيعي، والمتوقع منك في كل الأوقات، فإذا ما قدمت يوماً الشيء العادي، ستظهر أنك مقصر، لذلك ينصح علماء النفس - ذلك طبقاً لدراسة أجريت في مركز تأهيل العلاقات الأسرية في أميركا - الفتيات والنساء بألا يبدأن العلاقة من أعلى درجة، أي ألا يعطين أفضل ما لديهن في البداية، حتى لا تقع المصائب فوق رؤوسهن فيما بعد، لذلك طالما أنك تعطي الذي أمامك شعوراً بالأمان، وأنك لا تستطيع الاستغناء عنه، فسيكون من السهل عليه أن يؤذيك، ويهملك وهو مطمئن أنك ستكون له ومعه دائماً.

فكرة
فكرة العطاء والأخذ هما كفتا ميزان، عليك ضبطهما بطريقة سليمة حتى لا تطغى واحدة على الأخرى، فتصاب بالأنانية إن تبنيت فكرة الأخذ، أو السذاجة إذا اتخذت العطاء طريقاً لك.
يرى علماء الاجتماع أن التعود على الأخذ فقط يُنشئ إنساناً اتكالياً، أنانياً، لا يرى الآخر، ولا يهتم به إلا بمقدار ما يراه نافعاً له، خادماً لمصالحه الشخصية، وهذه صورة لا يرضاها الإنسان لنفسه، ولا لمن يحب.
أما التعود على العطاء فقط، فيلصق صفة السذاجة والبلاهة بصاحبه، وهذا طبيعي في هذا الزمان، بل ويصبح موضع استهزاء وسخرية الآخرين، على الرغم من أن الجميع يتملقه وينافقه، ليحصل منه على ما يمكن الحصول عليه، فهم يمدون له أيديهم للأخذ، ويمدون ألسنتهم من خلفه ويضحكون عليه.

نموذج
لكن النموذج الأمثل لفكرة الأخذ والعطاء أن تجمع بين المتناقضين، فالأخذ مسألة ضرورية لمن أراد أن يعطي، لأنه يجعل من العطاء عملاً مستمراً لا ينقطع، وبشكل منتظم أيضاً، ولا بد من الأخذ لكي يتمكن من إعادة شحن، وتشغيل ما أخذه داخلياً، ومن الضروري أن تشعر بالامتلاء حتى تتمكن من العطاء. والأخذ إما أن يكون من أجل الأخذ فقط، وهذا وجهه السلبي، أو أن يكون من أجل تعزيز القدرة على العطاء، وهذا هو وجهه الإيجابي.

تحليل
لا بد من إخضاع فكرة العطاء للتحليل والتفكير، والإجابة عن أربعة أسئلة مهمة، وهي: لمن تعطي؟ ومتى تعطي؟ وماذا تعطي؟ وكيف تعطي؟ حتى تتمكن من العطاء بعد ذلك، أما التفكير في العطاء مع الزهد في الأخذ فإنه سيؤدي إلى فتور وملل، وعدم قدرة على المواصلة بالدرجة نفسها التي بدأت بها. والعطاء إما أن يكون رياءً، كي يُقال إن فلاناً يعطي، وهذا هو وجهه السلبي، أو أن يكون لخير الناس وتقديم العون والنفع لهم، وهذا هو وجهه الإيجابي. والمهم في كل هذا هو أن تصنّف نفسك بصدق، وأن تعرف أي نوع من الناس أنت، وأن تشعر بعد ذلك برضا داخلي عن نفسك.

مفردات العطاء
كثير من الناس يفضلون الأخذ، بل إنهم لا يعرفون سوى مفردات الأخذ، الذي قد يصل إلى مرحلة الانتزاع، والسلب، وفعلهم هذا ناتج عن قناعة تامة بأنهم يأخذون حقاً من حقوقهم، وأنه ليس من حق أي شخص أن يحول بينهم وبين أخذ هذا الحق. ولكنهم في المقابل لا يعرفون أي شيء من مفردات العطاء، ولا يستطيعون فهمه، أو تطبيقه، لأنهم اعتادوا منذ نعومة أظفارهم أن يأخذوا ما يريدون، وأن يصلوا إليه من دون بذل جهد يُذكَر، فيجدون لهذا الفعل لذة عظيمة في نفوسهم، ولم يخبرهم أي شخص بأن العملية المعاكسة، وهي العطاء، لا تقلّ لذة عن تلك التي يشعر بها من يقوم بالأخذ، من يتذوق حلاوة العطاء، سيجد صعوبة كبيرة في تقبل أن يأخذ من دون أن يجد قنوات تفريغ مناسبة لما أخذه.