هل تتذكرون كم مرة تناولتم السنة الماضية مضادات حيوية بعشوائية، أو نصحتم من حولكم بتناولها، أو أعطيتم صغاركم «أنتيبيوتيك» من دون وصفة طبية؟ خمسة أطباء التقوا في لبنان بدعوةٍ من الجمعية اللبنانية للأمراض المعدية والجرثومية للقول وبصوتٍ مرتفع: سوء استخدام المضاد الحيوي أقحمنا في حربٍ ضروس مع الجراثيم!

شكّلت مخاطر الإفراط في استخدام المضادات الحيوية، محور النقاش بين الاختصاصيين في الأمراض الجرثومية الأطباء جاك مخباط وغسان مطر وزاهي حلو ومادونا مطر وريما مغنية. فماذا يعني الإفراط في تناول «الأنتيبيوتيك» حين نشاء والتوقف عن متابعة العلاج حين نشاء؟
شئنا أم أبينا الاعتراف بأخطاءٍ اقترفناها بحق أنفسنا في العلاج بـ«الأنتبيوتيك»، فيجب أن نعترف الآن وليس غداً بأن المسألة ما عاد يمكن التغاضي عنها، بعد أن أنذرنا الأطباء، أن عشوائية هذا الاستخدام تسبب وفاة 700 ألف إنسان في العالم وسيسبب وفاة 10 ملايين إنسان سنة 2025! أرقامٌ حقاً مقلقة.

إذا لم ينفع يضرّ
انسوا مقولة: «إذا لم ينفع الأنتيبيوتيك فلن يضرّ». بلى، إذا لم يفد سيضرّ. تناول المضادات الحيوية بعشوائية يضرّ لأنه يؤدي إلى مقاومة بكتيريا المضادات الموجودة والتغلب عليها. وهذه المشكلة عامة، على مساحة كل الأرض، لكنها تشتدّ في عالمنا العربي. مشكلتنا أننا لا نميز بين مضادات حيوية يفترض أن تعطى إلى التهاب المسالك البولية، وبين مضادات يفترض أن تعطى في حالات التهاب الروايا أو الأسنان أو سواها. ويتجاهل كثيرون ضرورة متابعة تناول المضاد الحيوي وفق إرشاد طبي، لأن التوقف عن إكماله يسبب عودة الالتهاب، وعدم تمكن العلاج في المرات المتكررة من تحقيق الشفاء. لذا توصية الأطباء أتت «المضاد الحيوي المناسب للمريض المناسب في الوقت المناسب وبالجرعة المناسبة لتقليص الضرر بأقل نسبة ممكنة على المريض ومرضى المستقبل».

جراثيم خارقة
مشكلتُنا هي مع الجراثيم الخارقة «الشريرة» التي تطورت في الفترة الأخيرة كثيراً، بفضلِ سوء استخدامنا السلاح القادر على أن يقضي عليها. إنها تعطل فعالية الأدوية وتسمح لنفسها بأن تنقل مقاومتها إلى جراثيم أخرى.
ما رأيكم في أن الأطباء يتحدثون عن أن أكثر من 40% من الأطفال الذين يصابون بإسهال يُعطون مضادات حيوية غير ضرورية، في حين أنه يكفي أن يعالجوا بأملاح فموية! وهذا،  وسواهم، أتاحوا تفلت الجراثيم من مفعول الأدوية المستخدمة وتطويرها آليات، تجعلها تقاوم المضادات الحيوية التي يفترض أن تعالج العدوى البكتيرية لا الفيروسية مثل الزكام أو الإنفلونزا أو احتقان البلعوم، وبالتالي ما نفعله أننا نلتهم «الأنتيبيوتيك» غير مبالين إذا كانت تفيد أم لا. فلا نستفيد منها ونجعلها عصية.

مضاد موجه
هناك من يظنون أنهم يعرفون أجسامهم، ويعرفون أي مضاد حيوي يلائمهم، ويعتبرون أنهم غير مسؤولين عن الفوضى في تناول «الأنتيبيوتيك»، ولا ما قد تؤول إليه الأوضاع أكثر بعد سنين. لكن، هؤلاء، يجهلون أن «الأنتيبيوتيك» لا يمكن أن يتلاءم مع إنسان ولا يتلاءم مع آخر، لأنه، كما قال البروفيسور جاك مخباط لـ«زهرة الخليج»: «لا يشتغل المضاد الحيوي على الإنسان بل على الجرثومة الموجودة في مكان محدد من الجسم، فيُصيب جرثومة «إيكولاي» مثلاً في المسالك البولية أو «جرثومة المينيوكوك» في السحايا. فلا شيء اسمه هذا المضاد يفيدني ويمكنني المواظبة عليه وذاك لا».
أطلقت صرخة أطباء الأمراض المعدية والجرثومية، إثر أبحاث قامت بها «أم أس دي»، ودلّت على أن «الأنتيبيوتيك» الذي أنقذ عبر التاريخ كثيراً من البشر، دخل في المرحلة الحاسمة: فإما أن يُدرك الإنسان أن هذا العلاج له أصول وإما الانحدار أسرع نحو الهاوية وموت الملايين بسبب تغلّب الجراثيم الذكية على البشر.