في تعريف ابن جني للغة، بأنها الكلام الذي يعبر به كل قوم عن أغراضهم، ويعتبر اللغويون أن تعريف ابن جني هو الأقرب من بين تعاريف السيوطي وغيره للغة.
وما دمنا بصدد التعبير عن الأغراض، فإن الأغراض تختلف مع مرور الزمن وتتغير وتتبدل وتتطور، وهذا ما يتطلب تطوراً وتغيراً في اللغة، وهذا ما حققته اللهجات العربية، حين تجمدت اللغة العربية في مراحل متقدمة، دخلت فيها الألوان المتعدد في حياتنا ولم تدخل في اللغة، ودخلت علوم المساحات والجغرافيا ثم الاتصالات، واللغة جامدة بينما اللهجات تواكب كل جديد.

ومن الأغراض في التعبير الاختصار، فحين يأتي لك صديق ويشتكي من غدر وخيانة صديق له ويسهب في الشرح، فينتظر منك الكلام الذي يعزيه ويواسيه، فما إن تقول له أن صاحبه (أخطأ) فتجده وقد استراح من وصفه لكل ما قاله عن ذلك الصديق.

وهنا لفظة تختصر سرداً من الكلام، فحين يخيب ظنك بأحدهم وكنت تنتظر منه الأجمل، وحين تتوقع منه الأحسن، فيخيب ظنك به في لحظة ما، فلا تجد كلمة تعبر عن ذلك العتاب المفترض، سوى كلمة (أفا)، وهي كلمة تختصر خيبة الأمل المرجو من شخص ما، في حين أن أقرب كلمة لها في الفصحى هي كلمة (أف) التي وردت في القرآن تعبيراً عن أقل وسيلة تعبير عن الضجر أو الغضب، حين نهانا القرآن أن نقولها للوالدين مهما يكن من أمرهما، إلا أن (أف) تعبر عن سلوك معين، بينما (أفا) في اللهجة تعبر اختصاراً عن كلام كثير في العتاب وخيبة الأمل.

ولأن اللغة العربية لغة صوتية الدلالة، يؤثر فيها التنغيم على المعنى في اللهجات، حيث إن كلمة (أكلت) بتنغيم الكلمة تعطي ثلاث دلالات، فيمكن أن تكون استفهاماً، هل أكلت أم لا، ويمكن أن تكون استنكاراً وعتاباً لأنك أكلت، ويمكن أن تكون إجابة لسؤال، وهو ما ينطبق على أسماء الإشارة، فكلمة هو بتنغيم معين تعطي أكثر من دلالة للمعنى.
وكذلك حين يتحدث أحدهم عن إنسان فيه من صفات النبل والأخلاق والتقدير والكرم، والشهامة التي ترجوها تجدها فيها، فما إن ينتهي المتحدث من وصف ذلك الرجل وينتظر منك تعليقاً يليق به، فتجيبه بكلمة (محترم) سيجد المتحدث أنك اختصرت الكلام، وهذه اللفظة أرضته وصفاً واختصاراً لكل ما قيل.

وكما أن اللهجات جاءت لتكمل لغة التواصل بين الناس، فيما تعجز عنه اللغة الأم، فهنا لغة الإشارة أيضاً جاءت مكملة، حيث تمثل حركة في اليد ما يعني القول (اتصل بي) وحركة أخرى أنني في انتظارك... وهكذا.

شـعر

ها قد أتيت يا ابنتي

كأنك الشيء الذي

مثل أناشـيـد المطرْ

ليس يفي وينتظرْ

كأنك اللحنُ الذي

فأنت يا (قصايدي)

ما مرَّ في بال وترْ

أجمل من قصائدي ولا مفرْ

كأنك المعنى الذي

فأنت بدع خالقٍ

لا ينتهي أو يختصرْ

أجمل من بدع البشرْ