لا أظن أن هناك أخطر من شعور المرء بالرضا المطلق عن عمله، أيّاً كان هذا العمل.
أؤمن بأن في عدم الرضا مدعاة استمرار وتحدٍّ وإصرار على بلوغ الأفضل، وليس بالضرورة إدراكه، ولكن المحاولة في حد ذاتها دافع للاستمرار في الحلم المقرون بالعمل، هذا الاستمرار وفق ما أفهم؛ هو الحياة، وكل رضا مُطلق إنما هو موت مُحتَّم. لا أذهب في عدم الرِّضا إلى أن أكون ساخطاً، إنما لإدراكي أني أقدر على عمل الأفضل وإن لم أحققه.
في كل مرة يذكرني فيها الفيسبوك بمنشور قديم أشعر بخجل وأنا أقرؤه، ولا أتردَّد في إخفائه إن لم أقم بحذفه وأنا أشتمُ تفاهتي. أشعر بالأمر ذاته إزاء رواياتي، مقالاتي، ولقاءاتي في الصحف أو التلفزيون، لأني مع مرور السنوات دائماً ما أجد فيها ما لا يسرني، وأتمنى لو أنني قلت ما أردت بشكلٍ أفضل. هذا ما يصيبني حينما أتصفح كتاباً أنجزته قبل سنة أو اثنتين، أتأفف، أنزعج وأشعر بندمٍ كبير: لو أنني قلت كذا بطريقة أفضل. أمسك بالقلم أنوي كتابة هذا الأفضل، أنجز رواية أفرح بها، ثم أخجل منها بعد مرور زمن، ويدفعني عدم الرضا للحلم بكتابة الأفضل.
وحده الشعور بعدم الرضا هو دافعي للعمل، للحلم وللحياة. أتخيل لو أنني رضيت بعمل ما، وهو ما يحدث عند إنجازه وإرساله إلى الناشر، ولكن ماذا لو استمر هذا الشعور بالرضا؟ الأكيد أنني لن أكتب، أو أنني أستمر في كتابة الشكل الذي رضيت عنه، وأكتب نصوصاً تفرخ نصوصاً مشابهة.
الرضا بالنسبة إليّ هو عدم الرضا، والعمل الدؤوب على تحقيق ما أحلم به وإن لم أدرك تحقيقه. الرضا كما أفهم هو أن يكون العمل دافعي للحياة.
هذه المقالة التي أقوم بكتابة سطورها الأخيرة الآن وأنا راضٍ بها، لا بد أني، بعد أسبوع، شهر أو سنة، سوف أجد فيها ألفَ عيبٍ وإن لم يتجاوز عدد كلماتها الـ400، ليدفعني شعوري هذا لكتابة مقالة أفضل.