هو ليس خياراً، نرفضه أو نقبله، هو ما تدور حياتنا حوله ومن خلاله، وهو ما يعطينا الأمل، أو يفاجئنا باليأس بعد ضياع سنيننا.. أفضل من عبر عن ماهيته ومكنونه الكاتب الإيرلندي المعروف صاموئيل بيكيت في رائعته «في انتظار غودو» التي فيها الفهم معقد أحياناً، كون الرمزية اكتنفت كل تفصيل في العمل والنهايات سوداوية، لأن «غودو» هذا لا يأتي أبداً، والعمل كذلك مليء بالسخرية التي تستشعرها من خلال النص، وكأن الأقدار هي التي تسخر منا، على ألسنة شخصيات العمل التي لا يتجاوز عددها الخمس. تقتحم وأنت تقرأ، عوالم اللا سؤال واللا جواب. حتى تصل لحقيقة مرة أن الانتظار لا معنى له، عندما تنتظر غودو الذي أصلاً لا تعرف ماهيته، فهل هو المخلص أم أنه القاتل، السعادة أم التعاسة، الفراغ أم الزمن الذي يسرق أعمارنا حتى نموت.. وقد يكون العبث في حد ذاته لأنه غير موجود ولا يأتي يوماً.
لكن من منا يعيش من دون أن ينتظر شيئاً، «أي شيء»، كبيراً كان أم صغيراً. بعض لحظات الانتظار أقسى من العذاب نفسه، تخترق عظامنا فتؤلمها أكثر من آلام الروماتيزم صحيح، كانتظار شفاء مريض ميؤوس من حالته مثلاً، أو انتظار عودة غائب من دون موعد محدد. لكن في المقابل هناك لحظات انتظار تعادل عمراً بأكمله، كلحظة انتظار مولود جديد نعلم أنه ووالدته بصحة جيدة، أو انتظار دخول عروس إلى صالة أفراحها وهي تتأبط ذراع حبيبها. انتظار شهادة جامعية لحظة التخرج، انتظار لقاء الحبيب، وآلاف آلاف الأحداث. باختصار الكل في انتظار الفرج.
محمود درويش قال: «أجمل ما في الصدفة أنها خالية من الانتظار». لكن الصدف لا تصنع حياة بتفاصيلها اليومية، إنما الانتظارات فنعم.