بينما ندهش من أفلام تروي قصصاً عن شخصيات محتالة، يصدمنا العالم الواقعي والتاريخ بوجوه لنساء حقيقيات، فاقت قدرتهن على التزييف والاحتيال كل ما يمكن أن يفعله أي مخرج في العالم ويكتبه سيناريست ماهر. أقنعة براقة جمدت بصر الناس ليس لبرهة أو لفترة زمنية قصيرة، بل امتدت سنوات، في تصديق وتجرع الخداع.

وهم الجمال الكاذب
سارة راشيل راسل.. عاشت في القرن 19 خلال العصر الفيكتوري، امتلكت صالوناً راقياً في لندن، روجت فيه لمستحضرات ومساحيق تمنح «الجمال الدائم» بحسب ما زعمت، وكانت سيدات المجتمع الراقي يتوافدن إليها، لتصبح امرأة غنية للغاية بسبب لهاث النساء وراء مواصفات خادعة لمنتجاتها  حملت أسماء عديدة، مثل: Magnetic Rock Dew Water، أو Armenian Beauty Wash ، أوCircassian Golden Hair Wash، Royal Arabian Face Cream، كلها تمنح أسرار جمال نساء الشرق بحسب ما روت، ومجلوبة من أماكن بعيدة، إلا أنها في حقيقة الأمر لم تكن بمواصفات مخادعة فحسب، بل بمواد سامة للغاية مثل الرصاص والزرنيخ وحمض البروسيك.


ولم يتوقف الأمر عند أوهام الجمال الكاذب عند مدام راشيل، بل منحت النساء اللواتي لا يستطعن سداد المبالغ الباهظة لمنتجاتها ائتماناً لتبتزهن لاحقاً، وسببت محاكمتها ضجة هائلة، ليس فقط بسبب احتيالها، بل لأنها كشفت عن المبالغ الطائلة التي يمكن أن تدفعها نساء لندن على المكياج . توفيت  راشيل في السجن، لتنتهي حكاية امرأة كانت بائعة لجلود الأرانب والملابس القديمة في أول حياتها، وتحولت إلى امرأة غنية مخادعة عبر وهم الجمال الدائم.

الأميرة الألمانية
ماري كارلتون.. امرأة إنجليزية ولدت في  كانتربيري عام 1642، استخدمت هويات مزيفة مثل أميرة ألمانية للزواج والاحتيال على عدد من الرجال للزواج منهن.
 تزوجت في أول الأمر من صانع أحذية، لتتركه لاحقاً وتنتقل إلى دوفر، حيث تزوجت هناك من جراح، ولكن سرعان ما ألقي القبض عليها ومحاكمتها في ميدستون بتهمة الزواج من رجلين في وقت واحد، وبعد انتهاء القضية، زارت مدينة كولونيا بألمانيا، لترتبط بأحد النبلاء هناك، وقد تركته في نهاية الأمر بعد أن فرت بكل الهدايا القيمة التي أهداها لها، وتعود مرة أخرى لإنجلترا. وهناك شكلت لنفسها شخصية أميرة ألمانية من كولونيا، هاربة من عاشق غيور، احتالت بهذا المظهر على عاشق جديد يدعى جون كارلتون، وتزوجها، ولكن تم كشف زيفها مرة أخرى ومحاكمتها، بتهمة التنكر كأميرة ألمانية، إلا أنها دفعت بكل الإثباتات لتبرئتها.

كسبت كارلتون المزيد من المعجبين والعشاق، بعد أن أدت مسرحية لعبت فيها دور البطولة تحكي عن تجربتها، وهو ما دفعها إلى مواصلة أكاذيبها وارتباطها بعدد من الرجال الأثرياء للحصول على الهدايا الفاخرة والأموال. وفي أواخر العشرينات من عمرها، حوكمت كارلتون بتهمة سرقة أحد الأشياء الثمينة، وأبعدت عقابياً إلى بورت رويال في جامايكا عام 1671، إلا أنها تسللت، وعادت للندن، وهناك تم القبض عليها، وحكم عليها  بالإعدام عام 1673 لعودتها من عقوبة الإبعاد من دون إذن.

الوريثة المزيفة
استطاعت أنّا دلفي خداع المجتمع الأميركي في نيويورك، بادعائها أنها أنّا دلفي، صاحبة ثروة قدرها 60 مليون يورو، فعاشت حياة الأثرياء، أقامت في أفخم الفنادق، واستقلت طائرات خاصة، ارتدت من الماركات العالمية، لتوهم الطبقات الثرية وتقيم صداقات قوية مع أبنائهم. وبعد أن سقط القناع عن وجهها، تبين أن اسمها  الحقيقي هو أنّا سوروكين روسية من أصول ألمانية، واجهت عدة تهم من بينها الاحتيال الشيكي والنصب، لأخذ قروض بمئات الآلاف، والاحتيال على فنادق وشركات أعمال، بالإضافة إلى الاحتيال للسفر عبر رحلات مجانية، وليس هذا فحسب بل تمكنت من الاحتيال على أصدقائها الأثرياء الذين وقعوا في وهم حياتها المترفة.

ادعت أنها تنوي تدشين نادٍ باسم «مؤسسة أنّا دِلفي» وأنها بحاجة لاقتراض الأموال بغرض تمويله، لأن هناك بعض الصعوبات التي حالت دون تحويل أموالها خلال فترة قصيرة من أوروبا إلى الولايات المتحدة، وقد قدمت بيانات بنكية ووثائق مزورة، لتمنح قرضاً بقيمة 100 ألف دولار، بالإضافة إلى استخدامها شيكات من دون رصيد.
هوس الثراء وجنون العيش في حياة مرفهة، دفعها إلى أن تقيم في فندق باذخ وصلت نفقاته إلى 30 ألف دولار، كما أنها استأجرت طائرة خاصة ولم تدفع التكاليف المترتبة عليها، وسافرت في رحلة لا تنسى إلى المغرب، بأموال صديقتها بعد إيهامها بأنها ستسدد نفقات الرحلة التي كلفتها آلاف الدولارات. تقبع سوروكين حالياً في السجن، بعد أن تم احتجازها ومحاكمتها منذ عام 2017.

صاحبة الصندوق الثمين
بخدعة لا تخطر على بال أحد، استطاعت امرأة من إمارة ليختنشتاين في القرن الـ18 هي باربرا إيرني، جمع ثروة هائلة عبر خدعة الثقة، حيث كانت تتخفى بأزياء امرأة ثرية، لتقيم في فنادق ونزل، ومعها صندوق كبير، وتخبر أصحاب هذه الفنادق أن بداخله مقتنيات ثمينة، ويجب أن يبقى الصندوق في مكان آمن للأشياء القيمة، وفي الليل كان يخرج من الصندوق، رجل بقامة صغيرة أو حتى قزم، ليسرق أثمن الأشياء ويهرب مع باربرا، وقد استخدمت باربرا هذه الحيلة لعدة سنوات، وبعد أن تم القبض عليها واكتشافها، حكم عليها بالإعدام.

ستيف جوبز الجديد
في بداية اكتشاف قصة إليزابيث هولمز، السؤال الوحيد الذي ردده الجميع كيف فعلت ذلك لأكثر من 10 سنوات؟ فقصة إليزابيث هولمز لم تنتهِ فصولها الأخيرة بعد. قبل سنوات كان الجميع يستشهدون بإنجازاتها، وتتخذ مثالاً للفتاة العصامية التي استطاعت وهي في عمر الـ19 أن تؤسس شركتها وتحقق حلمها في المجال العلمي. بعد أن تركت دراستها للهندسة الكيميائية من جامعة ستانفورد، روجت هولمز لتقنية جديدة في فحص الدم عبر جهاز صغير، لا يلزم سوى قطرة دم واحدة من طرف الإصبع، ليمنحك العديد من الاختبارات والنتائج دفعة واحدة عن حالتك الصحية والأمراض التي تعانيها. أقنعت إليزابيث المستثمرين وعمالقة عالم المال والاقتصاد بفكرتها، حتى وصلت قيمة شركتها السوقية أكثر من تسعة مليارات دولار أميركي.

ظلت إليزابيث هولمز تتاجر بفكرتها التي تروج لها كثورة في المجال العلمي، وتتخذ من ستيف جوبز مثالاً لها في العديد من التصرفات والحركات، حتى لقبت بـ«ستيف جوبز الجديد».

وفي عام 2015 أعد صحافي تحقيقاً مطولاً عن اختراع هولمز، مشككاً في مصداقية هذه التقنية، وأن اختراعها ليس له أي أساس علمي، وهو ما لفت انتباه الجهات المعنية، حتى انهارت طموحاتها، وأغلقت شركتها ومعاملها، وتواجه الآن تهماً تتعلق بالاحتيال وبتهديد صحة الناس، وقد تقضي في السجن مدة 20 عاماً.