يعتبر «الدنقري»، لباس الطبقة الكادحة من العمال والبحارة والمزارعين وحتى الفتوات في تونس، فقد اعتبر على مدى سنين طويلة رمزاً للرجولة والقوة ودلالة على التحمل والصبر، إذ يفضل الكثير من التونسيين من شمال البلاد حتى جنوبها، ارتداء «الدنقري» الذي أشيع لباسه منذ ستينات القرن الماضي ولم يخفت بريقه حتى اليوم، ولم يهمله الشعب التونسي طيلة هذه السنوات، حتى إنه تسرب مؤخراً إلى أجساد الفتيات بموديلات تلائم النساء.

ما «الدنقري»؟
عبارة عن بدلة زرقاء اللون تتكون من قميص بثلاثة أزرار قماشية ومن دون ياقة، مع بنطلون واسع، وعلى الرغم من تفصيله البسيط، إلا أن هذا اللباس نجح في حفر مكانة في قلوب التونسيين، من خلال رمزيته الثورية والعمالية، وقد أضاف عليه التونسيون بعض الاكسسوارت التي باتت لا تفارق جسد مرتديه مثل: (الشاشية - عبارة عن قبعة صوفية حمراء، والبلغة - حذاء جلدي بسيط التفاصيل مغلق من الأمام ومفتوح من الخلف والكوفية الفلسطينية)، فأسهمت هذه الإضافات، في تطويره بلمسة عريقة وأصبح هذا اللباس جزءاً من الهوية التونسية.
   
أصل التسمية
تقول مصممة الأزياء والاكسسوارات التونسية، آية سنان إن هذا اللباس وعلى الرغم من بساطة التفصيل والوصف، إلا أنه مُثقل بالدلالات، حيث كان اللباس المفضل لشرائح اجتماعية واسعة تضم طبقة العمال والكادحين، وتضيف: «هذا اللباس من أصول صينية، وقد راج خلال الثورة الثقافية الصينية التي قام بها الزعيم الصيني ماو تسي تونغ في عشرينات القرن الـ20 إبان الإطاحة بالحكم الإمبراطوري، وهو يرمز إلى  العمل وقد راج «الدنقري» في العالم وخاصة في أوروبا، ووصل إلى تونس خلال أيام الاستعمار الفرنسي ضمن أطر التّجارة وتبادل السلع مع الصين، ولأنه بسيط ومريح تسرب إلى التونسيين، الذين أضافوا بصمتهم إليه ليصبح من ضمن اللباس التقليدي الرسمي التونسي». وتؤكد سنان أن «الدنقري» عرف طفرته الذهبية في ستينات وسبعينات القرن الـ20، وقد كان ممنوعاً داخل مؤسسات التعليم وعلى موظفي الدولة، وقد عاد وهجه مؤخراً لتونس، خاصة أن الكثير من الفتيات بتن يرتدينه بعد اللمسات التي وضعها عليه مصممو الأزياء الذين أخرجوه من القالب الذكوري.

نوعية
حول نوعية القماش المستخدمة في حياكة «الدنقري»، تقول مصممة الأزياء التونسية ألفة الشايب: «يحتوي على نسبة 100% من القطن، ويتميز بلونه الأزرق النيلي المشرق، وحتى تكون صبغته ثابتة يتم نقعه في مياه البحر أو الخل لمدة 24 ساعة، أما عن اختيار اللون الأزرق فوفقاً للصينيين، فإن الأزرق النيلي يحمي من البعوض في حقول الأرز». وتؤشر الشايب إلى أن «الدنقري» يحافظ على لونه الأزرق دوماً، لكن بعض المصممين باتوا يفصلونه بألوان مختلفة صيفية مشرقة، لكن تلك الألوان لم تلقَ الرواج، كون التونسيين يفضلون اللون الأزرق لرمزيته،  مضيفة: «حتى الدنقري المخصص للفتيات حافظ على نفس اللون الأزرق مع بعض الإضافات الملونة في الجيوب».

«علي شورب»
استطاع مسلسل «علي شورب» إعادة لباس «الدنقري» إلى الواجهة من جديد، فقد حرص القائمون على العمل على أن يظهر نجوم المسلسل بهذا اللباس الذي يحكي عن قصة حياة الفتوة التونسي علي شورب، وهو الشخص الذي تتعاطف معه شريحة واسعة من المجتمع التونسي، إذ كان ينتصر للمظلوم على الظالم. يقول كاتب سيناريو المسلسل يسري بوعصيدة: «تزامنت عودة هذا اللباس الأزرق مع عرض المسلسل، حيث ارتداه بطل العمل الممثل لطفي العبدلي، وقد قلده العديد من الشباب الذين يرون في علي شورب رمزاً للرجولة والقوة المعجونة بالنزاهة».

رصيد ثقافي
اللباس والطعام، هما من صميم الرصيد الثقافي لأي مجتمع، وفي كل دول العالم توجد أكلات أو ألبسة بعينها، تتحول إلى رموز لارتباطها بأحداث أو زعامات، ورمزية «الدنقري» تكمن في ارتباطه بأزمنة وأحداث وشخوص، تحيل على مجموعة من القيم منها قيم الرجولة والقوة والنضال. وارتداء «الدنقري» من العادات التونسية الأصيلة التي تتجاوز طفرات الموضة العابرة أو التأثر بشخصيات تأصلت في الواقع الاجتماعي.