العالم مليء بالتوترات والأزمات من مختلف الأنواع، لدرجة أن الدقائق الأولى من أي نشرة أخبار عالمية كفيلة بأن تُفقدك التركيز وتُحيطك بشيء من عدم الارتياح وتشغلك حتى نهاية اليوم. أكتب هذه الرمسة وأنا في طريقي لحضور اجتماعات المجلس العالمي لأهداف التنمية المستدامة، كرئيسة لمجلس المدن المستدامة والتي تُعقد بالتزامن مع فعاليات أعمال الدورة السنوية الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ذات الأجندة الحافلة بالقضايا التي تشغل العالم، ولكنني لن أشغلكم بتعداد هذه الملفات والأزمات، فلدينا المنصات الإخبارية بمختلف أشكالها لتقوم بذلك، ولكنني أتحدّث عن أهمية المحافظة على التركيز وسط ضوضاء العالم.
لكل واحد منّا نسخته الخاصة من العالم، وغالباً ما تكون عقولنا وقلوبنا تضج بمجموعة قضايا لا تقلّ ازدحاماً عمّا يحدث حولنا، وقدرتنا على النجاح ومواصلة الحياة الطبيعية تتوقّف على قدرتنا على التركيز ومنح الاهتمام للأهم ثم المهم، وهكذا، وذلك ينطبق علينا كأفراد وعلى المؤسسات وغيرها وصولاً حتى للدول.
في الكثير من الحوارات والأحاديث مع قادة مُدن العالم وخبراء التنمية المستدامة هنا في نيويورك وبين سطور مداخلاتهم، لمست تساؤلاً عن دبي والإمارات وكيف نجحنا في تحقيق هذه القفزات في مختلف المجالات، وخاصة ملفات المستقبل رغم أن الوقت الحاضر حولنا مزدحم؟
إجابتي كانت أننا اخترنا إدراك تفاصيل ومعطيات الواقع، ولكن ليس التوقّف عندها طويلاً، بل تحويلها لدروس مستفادة، فقيادتنا في الإمارات اختارت أن تكون القدوة في ذلك من خلال تذكيرنا بشكل مستدام بالأولويات والأهداف بما يتناسب مع المرحلة، مرة على المستوى طويل الأمد مثل وثيقة الـ50، أو الفوري والمُلِح مثل رسالة الموسم الجديد واللتين حدد فيهما صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، أين يجب أن نوجّه جهودنا بعيداً عن أي انشغالات وضوضاء.
بعيداً عن أجندة اجتماعات الأمم المتحدة المزدحمة جداً ونشرات الأخبار، أدعوكم لتنضموا لي في هدف جديد، سأحاول أن أستمع لنسخة مختلفة من عالمي، واحدة من دون ضوضاء يكون في يدي جهاز التحكّم فيها مع خيارات متقدمة، تتيح لي وضع بعض القضايا التي تشغلني على المستويين الشخصي والعملي كصامتة، ورفع صوت تلك الأكثر أهمية لأبني على الإنجاز وأحتفل بكل لحظات الحياة وأعطيها حقّها. اكتبوا تلك القائمة الطويلة من مشاغلكم واستمتعوا بحذف ما يشتت انتباهكم، فالأهم من الهدف هو وضوحه!