استيقظ صديقي «الكاتب» مبكّراً، على غير عادته. أحسّ بنشاط منفلت رغم قضائه لسهرة دّكت أضلاع جسده النحيل منتصف تلك الليلة. الجميع يغطّ في سبات عميق، عدا قططه الجائعة التي تطلق خرخرة لطيفة، وعصافير حالمة تزقزق داخل عشّها الجميل. كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحاً، جهّز «أحمد» كوبه المعتاد من الحليب الممتزج بالشاي، ثم ولج إلى مكتبه الصغير، الذي حوّل جزءاً منه إلى قسم لألعاب أطفاله، فما عاد يحلو لهم اللعب إلا هناك. جلس على كرسيه يراقب فعله القادم، بينما يحتسي رشفته الدافئة. نظر نحو غلاف الرواية الموضوعة على مكتبه، والتي ابتاعها منذ زمن ولم يقرأها، التفت يميناً ليرى شاشة حاسوبه تضيء إحدى صفحات عمله الروائي، الذي يعكف على كتابته. حينها تذكّر صورة المشهد البصري الذي يطّل من أعلى جبال الفجيرة، والذي كان جزءاً من ذلك السيناريو السينمائي الذي لم يفرغ من إنجازه. هناك عالياً في زاوية المكتبة، كانت عدسة الكاميرا تحملق في وجهه؛ طمعاً بتسجيل مرئي جديد يتحدث فيه عن قراءة فنية جديدة حول فيلم أو كتاب. وبينما كان يحاول إمساك طرف فعل إبداعي ما، أدرك أن الأوان قد سبقه، حيث مضت ساعة ونصف بسرعة البرق. أغلق هاتفه الذكي بعد أن كان مشغولاً بتصفّحه، وانطلق إلى عمله الصباحي المعتاد. كان هذا الأمر يتكرّر معه صباح مساء. بعد مرور أسبوعين، التقى «أحمد» مع عدد من الناشرين والكتّاب والقرّاء في معرض للكتاب، جمعيهم سألوه عن سرّ توقفه عن الكتابة الأدبية، ولماذا لم ينجز سيناريو فيلمه الجديد؟ اعتذر لهم بالضغوط اليومية والعمل وضيق الوقت. عندما رجع إلى المنزل، جلس مع زوجته يشكو لها الحال، كانت شقاوة الأطفال أكثر صخباً من شكواه. قالت له: ما رأيك بفريق للكتابة! أجابها: اشرحي أكثر. تحفّزتْ قائلة: اجمع فريقك فوراً واجتمعوا في المكتبة ثلاث مرات في الأسبوع، بمعدل ثلاث ساعات في الجلسة الواحدة، أغلقوا هواتفكم، ركّزوا على منجز الكتابة، وفي آخر 10 دقائق على كل شخص منكم أن يفصح عن عدد الكلمات التي أنجزها كوسيلة مهمة للتحفيز الذاتي. راقت لأحمد تلك الفكرة، وسارع لإخباري بقصته كاملة. راق لي حماسه، فقرّرت الانضمام إليه مترقّباً موعد الجلسة الأولى بفارغ الصبر.