انتهت قصة ثنائي جميل ظهر في ساحة الفن العربي، مثل أي ثنائي لمع في ذاكرتنا، وانتهى من أجل ولادة طاقم جديد.
المتابع لخط سير الشراكة الفنية بين ناصر القصبي وعبد الله السدحان منذ البداية، قد يكون تنبأ بهذه النهاية، فالأيديولوجيا لديهما مختلفة كماً وكيفاً، إن الارتباط العجيب بين هذا الثنائي الفني منذ البداية، عندما جمعتهما مقاعد الدراسة الجامعية، ثم زمالة العمل الوظيفي في وزارة الزراعة والمياه سابقاً وزارة البيئة حالياً، وظهورهما في برامج تلفزيونية وأعمال فنية معاً، وخطوة ناصر في احتراف الفن والتفرغ له واشتراكهما معاً، برفقة المخرج عامر الحمود في تقديم وإنتاج أعمال مسرحية ودرامية مشتركة، وبداية ذلك بتأسيس شركة الإنتاج الفني ليلحق به عبد الله، ويبدأان معاً مرحلة نوعية مختلفة لترجمة تطلعاتهما الفنية، استمرت أكثر من 20 عاماً، كانت نهايتها أكثر من درامية، إذ لم تخطر على بال أحد، ولم تفصل بينهما سوى دوائر القضاء، الأمر الذي نسف كل تلك السمات والخصائص التي كان يدعو إليها الفن الذي قدماه معاً لسنوات طويلة، وهو ما أصاب الشارع الفني السعودي بالدهشة والاستغراب من وصول علاقتهما ببعضهما إلى تلك المرحلة السلبية غير اللائقة على الإطلاق، وعدم احترام مشوارهما الطويل الذي كان يحتم عليهما الارتكان إلى الاحتفاظ بماء الوجه وبفضيلة الفن الكبرى، صحيح أن الطريق مسدود في الاستمرار، بيد أنه كان في الإمكان الانفصال بصورة إيجابية والإبقاء على علاقتهما أمام الرأي العام المحلي أيضاً إيجابية، ولكن هيهات.. حتى مبادرة هيئة الترفيه لم تَجد صدى لديهما بل إن هوة الخلاف الشائك قد اتسعت بينهما، حيث لاحظ الجميع عدم استجابتهما لتلك المبادرة في العودة الفنية والجلوس على طاولة المفاوضات وترتيب أمورهما.
من خلال متابعتي لمراحل هذا الثنائي الفني العربي، أسوة بمن سبقهما أمثال عادل إمام وسعيد صالح، وعبد الحسين عبد الرضا وسعد الفرج، ودريد لحام ونهاد قلعي، وحسن إبراهيم وموسى حجازين، وسواهما من الثنائيات الفنية التي عرفها الجمهور، فإنه من الطبيعي جداً الانفصال والاختلاف، بغية التجديد طمعاً في الابتكار والاستمرار في الساحة الفنية على النحو الأمثل، إلا أن ما فعله السدحان والقصبي قد لا يكون حدث من قبل مع الثنائيات المشار إليها أعلاه، كمن يقول يا خسارة أو يا حيف، ولِمَ كل هذا الصلف والعناد وتعميق الخصام واللجوء للمحاكم، لتثبيت الأمر أليس الفن الحقيقي كان كفيلاً يطبق المقولة (ويبقى الود ما بقي الخصام)، ألم يراعِ هذا الثنائي أنهما قدوة لغيرهما، ألم يراعيا أنه بالركون للعقل وتغليب المصلحة العليا للفن، وإعطاء الفرصة للأحبة والأصدقاء للتدخل من أجل حماية المكتسبات التي تحققت على مدار مشوارهما، وتوظيف ذلك لمستقبل الحركة الفنية في البلاد، ألم يدركا أن هناك جيلاً فنياً ينتظر منهما رصف الطريق بالجمال الفني، حتى في ظل الاختلاف الممنهج بينهما.
إن الذين عاشوا للفن وتمسكوا به وناضلوا ليبقى، يعلمون أن التضحيات والتنازلات وإعلاء القيم الفنية والمبادئ والمفاهيم، لها من الود جانب في إبقاء شمعة الفن مشتعلة في أحلك الظروف، وإحياء الطرق الآمنة لها لتضيء كي يعشوشب ذلك الأمل المختبئ على جنبات الدروب، اعتزازاً بما تعلمناه من الفن وإذكاء لروحه ولنفسح الطريق للأجيال المقبلة، التي ترانا أمامها للانطلاق بكل ثقة وتوازن وحب واعتزاز بمن سبقهم في التجربة من أجل إكمال المسيرة؛ كي تعيش شعلة الفن متوهجة جيلاً بعد جيل. لقد ألقى خلاف السدحان والقصبي وانفصالهما بحكم قضائي بظلاله القاسية على المجتمع الفني السعودي، وهو الذي لم يتعود عليه من قبل، وأحدث الأمر انكساراً عميقاً عند السعوديين، سيتأثر به العمل الدرامي والمسرحي لما يمثلانه من قيمة فنية كبيرة.