حين قرأت لمحمود درويش أحب من الحب أوله، بهرتني الصورة تماماً، فهي واقع يعرف كل محب، أو كل من ارتقى في الحب سلماً، وما منا الذي ينكر المشاعر الأولى والتأثير الأول في بدايات الحب، وما يزرعه من أثر في الأيام التي تلي الحب في أوله.
ولكن الحديث عن الحب الذي عرفته العرب، من الشعراء والفوارس، وممن كانت لهم الوسيلة لخلود قصصهم، فحين نتحدث عن قيس ليلى فذاك لأن قيس خلد قصته في الأشعار، وكذلك جميل بثينة وكثير ومحبوبته عزة، ولكن جارة ليلى العامرية أحبت رجلاً كذلك، ولكنه لم يكن شاعراً فلم نسمع عنهما، وكذلك لا بد أن تكون إحدى بنات قبيلة عزة قد أحبت، ولكنها هي وحبيبها عاشا حباً من دون إعلان.
فالحب، وإن كان جميلاً ومثيراً في أوله، لا يعني ألا يكون جميلاً في مرحلة النضج العاطفي، مرحلة حياة الحب وليست مرحلة الاندهاش من الحب، مرحلة تدخل فيه المسؤولية المشتركة بكل ثقلها، وتدخل النظرة المستقبلية لهذا الحب.
قد يعتقد البعض أن هذه المرحلة تمثل البرود في المشاعر، وهي ليست كذلك ولا أظنها كذلك، فالانبهار الأول والدهشة الأولى تغيب عنهما المسؤولية تماماً، تجاه الآخر وتجاه المجتمع، وهذا ما سمعناه في الأفلام المصرية (سرقاه السكينة) لا أعرف كيف تسرق السكينة شخصاً، ولكن المغزى وصل بأنه وقع في الحب من دون بصيرة لعدم وجود تكافؤ من نوع ما.
إن الحب في مرحلة النضج هو المسؤولية عن هذا الحب، ويرتبط بشكل مباشر بعمر الحب، وسنوات العاشقين، وتدخل التجارب فيه بشكل إيجابي وعفوي، وتصبح النظرة بألف كلمة، ويصبح الصمت لغة مكتملة النحو والصرف ومتعافية، كأن قاموساً خاصاً يحمل عنوان الصمت بين المحبين يدور في الحديث من دون صوت، وحين تقول المحبة كلمة أو فكرة أو تكتب سطراً يعرف أن هذه الكلمات المعدودة قادرة على تفجير مقال كامل، أو قصة قصيرة.
إن مرحلة النضج العاطفي هي الأصعب في علاقة الحب، ليس لأنها مسؤولية فقط بقدر ما هي فهم الآخر من دون أن يتكلم، وهذا ما لا يعرفه إلا العشاق.

شـعر

أدخلتْ سلمى يديها بيديْ
وقرأنا شعر غيري

وأرتني كل شيْ

شعر من ذاب من العشق فأهدته إليْ

فقرأنا بكتاب الحب فصلاً

فكتبنا ألف معنىً حينما

رائعاً حلواً شهيْ

مقلتاها غفتا في مقلتيْ

غمزت لي وانحنت تبسم في الأرض

فاتحدنا، هي ما عادت إليها

بحبٍّ حين ظنته إليْ

أنا ما عدتُ إليْ