أكتب عن هاجسي الأعظم في الحياة: القصيدة التالية. أكتب الشعر منذ قرابة عقد من الزمن، وأنا الآن متمكن من كتابته، وأعني بذلك صبّه في قالب الوزن والقافية متى لزم الأمر. اكتشفت في وقت لاحق أن الشعر يتجاوز ذلك القالب، وتورطت بالأفكار والرسائل والدهشة. الشاعر الأميركي تشارلز بوكاوسكي تحدث ذات مرة عن أسلوبه الشعري وقصائده السابقة، قال إنه لا يذكر منها شيئاً وإنه لا يهتم سوى بالقصيدة القادمة، بتلك الجلسة الحافلة بالعرق والتوتر والشتائم، آملاً في نهاية هذا المخاض الملتوي أن يظفر بقصيدة يفخر بها لحظياً. يذكرني حديثه ذلك بنفسي، فأنا لا أحفظ قصائدي ولا أهتم بما كتبته منذ ثلاثة أيام، حتى إن استذكرت بعض الخطوط العريضة منه، لا يثير اهتمامي ذلك التصنيف الممل للمواضيع، أحس أن أمين مكتبة ما كان في مزاج سيئ وطُلب منه، كما طُلب مني الآن، أن يصنف الشعر كما يراه. ذلك الشخص الافتراضي صنع للشعراء خطوطاً يلتزمون بها وهم يكتبون، مثل تلك التي في مضمار سباق الخيل. أنا أؤمن بالركض الحر والتعثر بكل شيء. المساحات المفتوحة في الكتابة والتأمل والمواضيع تجعل الشعر أصعب، أكثر تحدياً، وأكثر لذة حينما ننتهي من القصيدة، أو حين تنتهي هي منا. الدهشة هي ما يميز هذه الفوضى المنظمة، فأنا أكتب بخليط من كل شيء. دقق النظر في العادي وستجد ما يدهشك، وستجدني هناك ألوّح أو أصفق. لا يهم، المهم هو أن تحرق الصندوق الذي انشغل الجميع بالتفكير خارجه وهو يستلب أعينهم ويخلب ألبابهم، اقرأ ما كتبه الماضون، استوعبه، ثم تجاوزه. لسنا هنا لنكرر ما قاله السابقون، فتلك أجيال خلت بتجاربها ولغاتها. وقوفنا على أكتاف العمالقة يلزمنا بالنظر إلى الأمام والأعلى، لا إلى الأكتاف. تأمل منظراً مألوفاً لديك كنت قد تجاوزته مئات المرات، أمعن النظر، وستراني هناك أكتب قصيدتي التالية.