تأسس الملتقى الثقافي بالرياض، على يد الدكتور سعد البازعي أستاذ الأدب الإنجليزي والنقد منذ سبع سنوات، في مبادرة صادقة نحو فتح نافذة المعرفة والوعي والنضج واستعادة علاقة المجتمع بالثقافة والفنون، وإذابة تلك الحواجز التي جاءت كمحصلة لمرحلة عصفت بالمجتمع السعودي عن بكرة أبيه، وأخرجته عن النمط الذي كان يعيشه ويجسده تماماً.
وسط ظروف ومعطيات صعبة إذا جاز لي التعبير، بدأ سعد البازعي مغامرته المحمودة في غمرة من الترقب المشوب بالهلع نحو ذلك، فالحياة بشكل داخل أروقة المجتمع تركن إلى الجمود أكثر منه إلى أي شيء آخر، وانطلقت رحلة الملتقى الثقافي تتلمس الطريق، ماداً يده إلى منسوبي المعرفة والثقافة والأدب والفكر والفن بمختلف أطيافه، من أجل إزاحة الستار عن ذلك الدر المكنون والمحبوس في صدر المجتمع، وبدأ باستقطاب ذوي القراءات العميقة في اتجاهات الأدب والفكر والثقافة، وطعمها ببعض النتاجات الفنية التي تضفي على المكان ومرتاديه شيئاً من الحيوية، وقد واجه موجة من الرفض لهذا التحرك بغية عدم إفساح المجال له لتكوين منبر ثقافي يحق لمن يملك الملاءة في هذا الاختصاص أن يعتليه ويقدم نتاجه من المحتوى الذي نتطلع إليه في ظل الحاجة الماسة إليه، وعلى الرغم من كل الإجراءات التي من شأنها أن تضيق على البازعي فرصة تمرير مشروعه التنويري المهم، ومحاولة عدم السماح له بولادة مكون ثقافي يصنع الوعي والسلوك لدى مجتمعه، وعلى الرغم من كل ما تقدم إلا أن ذلك في تصوري الشخصي، كان أكبر حافز له لكي يصمد ويستمر في إنتاج برامج الملتقى وفعالياته التنموية للمجتمع المخنوق مما يحتاج إليه.
شيئاً فشيئاً ومع مرور الوقت أعلن الملتقى الثقافي مشروعيته وأحقيته بالظهور على السطح، في ظل غياب العديد من القطاعات المعنية بالشأن الثقافي والفني في إنتاج محتوى يلبي احتياجات الشارع السعودي، ويعبر عن تطلعاته ومستوى تفكيره وطموحاته أيضاً.
ولاحظ الكثير من المشتغلين بحرفة الأدب والثقافة والفكر والفنون، أن الملتقى ينتج محتوى ويقدم مبادرات ويتيح الفرص لصناعة مفهوم من النضج والوعي، حيال ما يتمتع به الداخل السعودي ويسهم في إبراز الطاقات والنتاجات الإبداعية أياً كانت، بغية الوصول للـ«رتم» المساير للمتوفر من هذه المقدرات الرفيعة، التي توجد بين ظهرانينا في السعودية.
أخذ البازعي على عاتقه السير في إفساح المجال للمثقفين وأدباء الوطن ومفكريه، في منحهم فرصة الالتحام بالمجتمع ومخاطبتهم على النحو الأمثل، وتجسير العلاقة بينهم كما ينبغي الأمر الذي نجم عنه ظهور العديد من العناصر البشرية ذات الإمكانات العالية، في تقديم المنتج الإبداعي في أحسن حالاته، وبالنظر لمقومات شخصية الدكتور سعد البازعي، فهو شخصية تتمتع بتوازن شديد في التعامل مع المعرفة، على نحو واسع وشامل وهو ما جعل روزنامة الملتقى السنوية، ممتلئة بل تفيض بالمشاركات التي تنتظر فرصتها، وهو ما انعكس إيجاباً على صحة وسلامة بنيان الملتقى الثقافي، كون البازعي ليس محصوراً في أطر ثقافية أو ملتزماً بأنماط معينة في مسارات المعرفة، كما أنه ليس منتمياً لأي تيارات ثقافية أو فنية على حساب الأخرى، بل أخذ على نفسه إتاحة الفرصة في الملتقى الثقافي للجميع، شريطة الالتزام بالنواميس والأعراف المتبعة في أنشطة كهذه، والبازعي الرجل الأكاديمي وعضو مجلس الشورى، والمهموم بالعمل الثقافي الوطني والإعلامي القائد، كل هذه السمات أزعم أنه قد صهرها ووظفها لتأسيس منبر ثقافي وفني ومكون حقيقي ورافد للأدب والثقافة والفنون، وتسجل له بامتنان في أن أفسح للفنون من موسيقى ومسرح وتشكيل ونقد، موقعاً بارزاً أصبح محل متابعة الكثير من منسوبي الحركة الفنية السعودية.