الكاتبة والروائية الإماراتية لولوة المنصوري، تطوع المعنى لألفاظها، فلا تجنح عنه، شغوفة بالتواصل مع التراث الإماراتي في معظم كتاباتها، ومشحونة في أعماقها بدلالات ورؤى متنوعة، حتى تبسّط على القارئ المسافة بين الحكاية والبحث الموجز، تتجلى في كتاباتها روح الشعر الذي تؤكد أنه يطفئ وهج الضجيج المادي للحياة داخلها بحسب تعبيرها.

• في أعمالك شغف بالتواصل مع التراث الإماراتي بكل تجلياته من تاريخ وأسطورة وخرافة، هل لنا أن نتعرف إلى أسرار هذا الشغف وارتباطه بنشأتك؟
ربما السرّ كامن في سهل جلفار، البلدة الأثرية التي نشأتُ فيها، فبيوتنا الشعبية التي بنيناها على المقابر القديمة، والحوش الشرقي لبيت أبي الذي ظلّ لسنوات يطفح بالفخاريات واللُقى الأثرية بعد المطر، كلما حفر أبي ليثبت وتداً أو يغرس نخلة أو يبني للماء حوضاً إسمنتياً، كنا نعثر على مزيد من اللقى، في كل قطعة حكاية أثر، وسيرة أسرة سبقتنا إلى المكان قبل قرون عديدة. 

• تتجلى في طرائق السرد لديك، سواء في الرواية أو القصة روح الشعر وجماليات مخيلته، هل كنت تنوين أن تكوني شاعرة؟
في داخل كل منا شاعر ينتعش في الصمت والبراءة، وكلما علا الضجيج المادي انطفأ الشعر في الداخل، فالشعر هو فطرة الأشياء، إذ تبدو عملية الخلق والنهوض من زمن السكون والانبعاث الأول من العدم، هي أول فعل شعري إلهي، ليقابله انعكاس تفسيري إنساني بالأناشيد والمزامير الدينية الشعرية، كان السرد في جوهره شعراً. عندما أكتب لا أفكر في التخوم بين الشعر والسرد، وإنما بالتعايش بين العناصر والأضداد والثنائيات، التفكير القصدي بالتخوم يوقعني في التكلف والتعسف، بينما الانصهار في التعايش هو التجلي العفوي في فضاء اللغة.

بحث موجز
• يعد كتابك «تنويرُ الماء» من الكتب المهمة، فتتبع سيرة الماء في المنطقة عبر القرون المتتالية، أمر بالغ الصعوبة. من أين أتتك الفكرة وكيف كانت مسيرة البحث والكتابة؟
الكتاب يبسّط المسافة ما بين الحكاية والبحث الموجز، الماء سائل بسيط في ظاهره، وجودي في عمقه، أمومي مركب قابل للتحول والتمازج وخلق حضارات حوله، ومن شأنه أن يهدمها ويطمرها في النسيان، الماء حر وتنويري ويتشكل وفق المزاج البشري، جاءت الفكرة منطلقة من الشغف بتتبع سيرة الأنهار الأحفورية في شبه الجزيرة العربية، ثم بدأ مسار السؤال يحرضني على ضرورة إلقاء نظرة بحث في الماء القديم للإمارات وقراءة سيرة النشاط البشري حوله.

• جمعك ما بين الإبداع الفني قصاً ورواية والبحث والعمل الصحفي، يطرح تساؤلاً حول تأثير كل جنس في الآخر؟ وقدرتك على هذا الجمع بينها؟
أحاول أن أتنفس ككاتبة من كل العناصر بشكل عام، ولا أتجزأ وفق التصنيفات والأجناس، قد أكتب رواية متى ما استدعت الفكرة والحاجة إلى بلورتها في فضاء أكثر انطلاقاً، أو قد تحتاج اللحظة إلى اختزال مكثف لبناء قصة، أما العمل الصحفي فقد زاولته في المجلات الاجتماعية قبل الانسحاب منها إلى كتابة الأدب والتفرغ له، لكل تجربة زمنها الخاص، نصل إلى حد الاكتفاء منها والانطلاق نحو انصهار جديد في عوالم جديدة. 

رغد التشجيع
• كيف تتابعين تجليات المرأة الإماراتية في الكتابة القصصية والروائية؟ وهل تعتقدين بأنها مؤهلة لأن تتسيد المشهد القصصي والروائي الإماراتي خاصة مع زيادة عددها قياساً بالكتاب؟
المرأة الإماراتية تعيش اليوم عصراً ذهبياً، تعيش في زمن جموح السرد، ولا أعني بالعصر الذهبي هنا تفوق المحتوى الضمني للمنتج، فمازلنا  في أول دروب التأثر والعطاء، ما أعنيه هو أننا في زمن رغد التشجيع والتقدير والملتقيات والتمثيل خارج الدولة، هذا التقدير من شأنه أن يطوّر النضج والابتكار والنموّ والتشكّل، إذ مازالت الكتابة النسائية في الإمارات تنمو في مراحل تشكّلها الإبداعي وليس من السهولة وضع تنظيرات ترصد آفاقها المستقبلية.

• في الماضي كنّا نسمع أننا نعيش أدبياً في زمن الرواية، والآن أصبحنا في زمن الترجمة ما تعليقك؟
لم تبرز حتى الآن أبعاد الترجمة الحقيقية، لكي نقفز سريعاً إلى هذا التصنيف، لا أنكر بأن هنالك محاولات تنافسية لبعض دور النشر في التهافت على الترجمة دون احتراف وتدقيق، فالترجمة ليست متعلقة فقط بوجود مترجم، وإنما بضرورة وجود مُراجع على هذه الترجمة، فثمة ترجمات محمولة بالأخطاء الإملائية والتسطح اللغوي، وما يقلق هو الانبهار ببعض الأسماء اللامعة في الأدب العالمي والوثوق بكل نتاجها الأدبي، بمعنى أنه ليس كل ما يقدّمه الكاتب العالمي مثلاً جديراً بالترجمة، ثمة أعمال تستحق دون سواها.