منذ الطفولة اختارهما الأهل ليكونا زوجين. فقد كانا يتشابهان في كل شيء. كبرا كما تكبر العصافير، وركضا معاً كما تركض الغزلان، بمطلق الحرية. فجأة فتحا أعينهما على بعض وقد تخطيا عتبات الطفولة. خطّا على الأشجار أجمل الأشعار، ورسما قلبين يخترقهما ليجمعهما سهم الحب. وبدأت تغار من كل ما فيه طعم الأنثى. وبدأ ينظر لكل من يقربها سارقاً محتملاً لقلبها. غضبا كثيراً وتصالحا أكثر. لكن الزمن ركض بسرعة. حلمت أن تكون طبيبة مختصة، وحلم أن يكون ممثلاً سينمائياً. انتهت ممرضة، وانتهى كاتباً يحترف الأسفار الكثيرة. ثم فجأة غاب وجهها في زحمة الملامح الكثيرة التي ملأت عينيه، والتيه المستمر. ذات يوم، لا يدري إن كان صدفة أو قدراً؟ سمع صوتها مستغيثاً، وهو يأتي من وراء البحار. ضحك من غبائه. ثم سمع الصوت ثانية وثالثة، فجأة رأى كابوساً، صافو وهي تموت تحت شجرتهما. ركض نحوها. سأل عنها. ثم رأى امرأة تجر وراءها أطفالاً كثيرين. عندما اقتربت منه عرفها. لم يتغير وجه صافو الطفولي الجميل كثيراً. مدّ يده إليها. ثم سمع صوتها وهي تنسحب بهدوء: ضيعتني يا أزاري. إذ تخليت عني. كنت مستعدة لأنتظرك عمراً آخر. كنت سأفعل المستحيل لأبعدك عن كل نسائك المحتملات. أراك على الشاشات العالمية وأنت غارق في مخمل السعادة، وأنا أنام وأستيقظ على حافة الموت. هل فكرتَ فـيّ حبيبي؟ لقد تقلصت أحلامي اليوم لدرجة أصبحت فيها أتمنى فقط أن أموت بلا ألم كبير. كل منّا مشى في طريقه. تزوجني ابن حارتنا وكان يعرف أني كنت بلا قلب. صمت أزاري طويلاً. ثم ركض وراءها ثانية. سحبها من يدها اليسرى القريبة من القلب. التفتت نحوه. قالت: اتركني أمضي نحو قبري. ترجاها أن تسمعه فقط. عندي طلب صغير. امنحيني ليلة واحدة من عمرك فقط؟ نظرت إلى عينيه، شعّ صدقهما في قلبها. همست: أحاول. ثم غابت في الظلال. انتظرها في تلك الليلة طويلاً قبل أن يسمع دقاً خفيفاً. كانت معطرة مثل قرنفلة. طلب منها أن تلبس الطرحة البنفسجية، التي اشتراها لها. قالت له أغمض عينيك. عندما فتحهما، ورفع الشاش، كانت مثل شمس. فتح علبة الخاتمين. وضعاهما في أصبعيهما. لأول مرة تشعر بأنها أنثى. لأول مرة يشعر بأنه رجل. عندما حل الصباح. طارت حمامتان من البيت. وعندما فتح الباب، لم يرَ أهلهما إلا طرحة بنفسجية وخاتمين، لكنهم سمعوا صوت أناشيد صافو العشقية. وذات صباح غابت الحمامتان وغابت معهما الدار، ونبتت في مكانها شجرة بنفسج بفرعين متداخلين، بلونين: بنفسجي وزهري.