تقف الفنانة التشكيلية العراقية نادية أوسي، على مسافة شاسعة من ألوان فاتنة، تسرح أطياف خيالها مبدعة لوحات تحكي عن بغداد بشناشيلها وخلاخيلها، وسحر تنوّعها الثقافي والاجتماعي، الذي تشتاق أن يعود إلى سابق عهده مُلهماً لها ومطلقاً في جنات روحها طيور الفرح وسواقي اللون.

• تنقّلت بين مدارس فنيّة عدّة، فمن الواقعية إلى الانطباعية إلى التعبيرية، ما المبرر الفنّي الذي حملك على هذه الانتقالات؟
البدايات كانت مع الرّسم منذ الطفولة، وأكثر ما كان يُلهمني هو الطبيعة والشخوص، وكنت أحاول نقلها كما هي إلى سطح اللوحة بأسلوب واقعي مُحبَّب تلته أساليب عدة، ومع استمرار التجربة والسفر والدراسة والاطلاع على تجارب الفنانين العراقيين والعالميين، وجدت أن المدرسة التعبيرية هي الأقرب إليّ؛ لأنها تساير طموحي في مصداقية التعبير والاختزال لمواضيع الموروث العراقي، وكذلك تأثري بالفنان الكبير جواد سليم الذي قدم الموروث العراقي بشكل مبسَّط وجميل وعميق،  وهذا ما أعطاني دافعاً قوياً لتنمية الأسلوب البغدادي في الرسم.

صندوق التراث
•  المُتمعِّن في لوحاتك يرصد بوضوح استحواذ الألوان الزاهية على مساحات شاسعة من العمل، ما سر هذا الانحياز اللوني؟
الألوان الزاهية نابضة بالحيوية والحياة، وأرى أن هذا يتلاءم مع المواضيع التي تناولتها عن فترة زمنية ماضية شهدها العراق كانت أفضل الفترات التي تميّزت بالاستقرار السياسي وبالوئام والسلام والبهجة والمحبة، وكذلك أجد الأسلوب التعبيري يمنحني مساحة أكبر من الحرية في اختيار وتوظيف اللون الذي له الدور الأساسي في جمالية العمل، وأعتبر أن لكل لون سحره وتأثيره في الفنان والمتلقي.

• ما الذي تكشَّف لك في صندوق التراث العراقي الذي يكاد يكون محور اشتغالك غالباً؟
صندوق التراث العراقي غني جداً بالمفردات التي تُلامس بأصالتها وجمالها القلب، وأنا من عشاق التراث وهو مسند وتاريخ لكل تجارب الدول في ما وصلت إليه، كما أنني أحب «الأنتيكا» وكل ما يتعلق بزمنها يشعرني اليوم بالرغبة في الاقتناء والاطلاع عليها، مثلاً إذا رأيت الأسطوانة يأسرني جمالها، والتمعن فيها وما تحمل من رائحة الزمن الذي غادرنا، وكذلك المشغولات اليدوية والطراز المعماري الفريد للبناء، ومفردات الحياة الاجتماعية العراقية الساكنة في البيوت البغدادية القديمة والمقاهي والأبنية.

الحياة البغدادية
• تنقلين في لوحاتك تفاصيل مختلفة عن الحياة البغدادية، رغم أنك غادرت بغداد منذ زمن طويل، من أين تستلهمين أفكارك في صخب إيقاع المدن البعيدة وزحامها؟
غادرت بغداد منذ 29 عاماً، وكنت وقتها حزينة جداً لأني غادرت مُرغمة وفي وقت مبكر، عشت بعض الصعوبات في البداية لأن انتقالنا كان مفاجئاً، من ثقافة شرقية إلى ثقافة غربية مختلفة جداً، لكني حاولت أن أتجاوز هذه الصعوبات بمرور الزمن، وكنت وما زلت أستلهم أفكاري من الصور المخزونة في ذاكرتي عن فترة زمنية، أعتبرها الأقرب إلى روحي، جذوري عميقة في العراق ولم تستطع الثقافة الغربية أن تقتلعها، وتراث العراق والموروث العراقي غني جداً، وقد شكّل الجزء الأهم من شخصيتي الفنية، وأيضاً شكل بعضاً من تفاصيل حياتي اليومية والتي ما تزال عراقية بحتة، وهذا بالطبع ينعكس على حياتي الفنية.

• كيف وجدت نظرة جمهور الفن في البلاد الأجنبية وانطباعه، تجاه ما نقلت عبر لوحاتك من ثقافة عربية؟
جزء من رسالتي الفنية هو التعبير عن ثقافتي العراقية والعربية، والتعريف بجذوري وخلفيتي الحضارية وتقديمها إلى الثقافة الغربية، وتمثل بالنسبة إلى الغرب نقطة مهمة للاطلاع ولفهم الموروث العراقي الشرقي، كثيراً ما يسعدني الاستماع إلى المتلقي الأجنبي وهو يقرأ أعمالي حيث إن هناك بعض الرموز والمفردات المشتركة، التي يستطيع من خلالها أن يستنتج الفكرة الرئيسية للعمل، حتى وإن كان بعيداً كل البعد عن مفهوم تراثنا الشرقي. الفن هو إحدى لغات التواصل الفكري والإنساني، وبالفن نستطيع تقريب المسافة بين الثقافات المختلفة.

اللوحة الحلم
في بال كل فنان لوحة حلم يسعى جاهداً إلى إنجازها؟ ما تفاصيل لوحتك الحلم التي لم تكتمل بعد؟
تقول الفنانة التشكيلية العراقية نادية أوسي، عن اللوحة الحلم التي ترغب في إنجازها: «هناك الكثير من المواضيع التي تدور في مخيلتي عن المجتمع البغدادي، والتي أود أن أطرحها في أعمالي القادمة بتفاصيل جديدة ومختلفة وحتى في الأسلوب، لكن تبقى هناك أُمنية تُراودني دوماً، وهي أن أرى العراق وبالأخص بغداد مدينتي، تعود لسابق مجدها مدينة السلام والحب والثقافة والعلم، ملونة بأزقتها ومقاهيها وساحاتها ونُصبها تجمع كل الطوائف والأعراق بحب وعيش مشترك كما كانت من قبل، يلهمني جداً هذا التلون الجميل وأرغب في تقديمه بعمل فني قادم».