منظومة الحياة ثلاثة أشياء، الحب الفن الجمال. بيد أن «متلازمة الطايف» قد تفوقت ووصلت إلى أربعة، الورد والمجرور والطبيعة والبشر، في «مهرجان سوق عكاظ التاريخي» في نسخته الـ13 التي اختتمت فعالياتها مؤخراً، استطاع المهرجان أن يضع المملكة في مرتبة متقدمة نحو إشاعة الحب والثقافة والفكر والأنسنة، ضمن سياق برنامج جودة الحياة الذي أطلقته الحكومة السعودية منذ عام ونصف على أقل تقدير وتركت مخرجاته مؤشرات إيجابية للغاية لرسم آفاق حديثة في الموسم المقبل.
أعود إلى الطايف مهد الغناء والموسيقى في المملكة العربية السعودية، والتي شهدت انطلاقة النهضة الفنية والموسيقية لاعتبارات عديدة منها جغرافية وتاريخية وثقافية واجتماعية، ناهيك عن كونها المصيف السعودي الأول التي كان يؤمها أفراد الشعب السعودي كافة، إضافة لكونها مقراً للحكومة السعودية في فصل الصيف في سنوات خلت.
ففي الطايف ولد وعاش وانطلق نحو الإبداع العديد من فرسان ونجوم الأغنية السعودية وأدبائها ومفكريها وناشريها، ولازالت الطايف تمثل حجر الزاوية في العمل الثقافي والفني السعودي، وبالنظر إلى احتضانها موقع سوق عكاظ التاريخي، فقد تمت إعادة هذه السوق التاريخية إلى الحياة مرة أخرى قبل 13 سنة، وسط فرحة غامرة على الأصعدة والمستويات كافة رسمياً وشعبياً ومحلياً وإقليمياً وعربياً، فهو التظاهرة العربية الأولى على مر العصور ها هو اليوم يعود للحياة من جديد، لتجتمع فيه أنماط متعددة من البشر؛ لتداول وإنتاج الكثير من العمل الملحمي المعبر عن الإنسان في عصور وحقب زمنية مختلفة، وأصبح الجموع من المثقفين والفنانين العرب ينتظرون بفارغ الصبر الإعلان عن دورة المهرجان لعله يكون ضمن المشاركين فيه عطفاً على الذيوع والانتشار وقيمة المحفلية ذات الأثر في مسيرة من يشارك فيه.
في هذا العام احتضن «مهرجان سوق عكاظ التاريخي» روزنامة لافتة للنظر ضمن فعالياته التي انطلقت مع مطلع الشهر المنصرم، بمشاركة عدد كبير من المثقفين والأدباء والفنانين العرب ونجح أبناء مدينة الورد كما يحلو لأهلها تسميتها في إدارة هذه المحفلية بمستوى مهني متطور حصد الإعجاب من المشاركين كافة، وقد لاحظ الجميع أن البعد الإعلامي كان حاضراً بصورة جميلة في ظل توفر معطيات متنوعة ومثيرة للبحث في كينونة هذه المدينة التي تملك إرثاً حضارياً وإنسانياً وتاريخياً وفنياً.
ففي الطايف عرف فن المجرور الغنائي، الذي يؤدى بشكل جماعي وفق تناغم وتناسق حركي مرسوم وله أزياؤه الخاصة به، ويتميز المجرور الذي جاءت تسميته من جر الصوت عبر سلسلة جبال السروات من أقصى جنوب البلاد حتى شمالها، إذ يشار إلى أن أبناء الطايف قد استخدموا المجرور في فلاحة أراضيهم الزراعية، كأهازيج لها إيقاعها المستمد من الأرض والزراعة والإنسان بخطواته في المشي والركض، ولد إيقاع المجرور الذي مر بتحولات بارزة وواضحة تكشف للمتابع التغير الجذري الذي مر به وصولاً إلى الحالة التي ظهرت بها صورته الراهنة. ويتفرع فن المجرور السعودي خالص النشأة والولادة إلى ما لا يقل عن 71 نوعاً لعب في ولادة هذه الأنماط الغنائية الشعبية شخص يدعى عوض الله أبو زيد، فهو من صاغ المجرور وأخرجه من صوره التقليدية إلى حالة أكثر حيوية وديناميكية تتسم بالإشراق والجمال والإثارة، وأصبح المجرور من ملامح شخصية محافظة الطايف السعودية وجزءاً من هويتنا الثقافية السعودية. وفي الوقت الذي لعب فيه «مهرجان سوق عكاظ التاريخي» دوراً في تسليط الضوء على إحدى المحافظات السعودية المهمة فإن الأمر كان مدعاة لتقديم فن المجرور والتعريف به وإبرازه للضيوف من المشاركين في تناغم ولا أحلى مع الورد الطايفي الذي يزرع ويصدر وينتج من أراضي الطايف المأنوس ببساتينه وجباله وسهوله البديعة والتي نمت وترعرعت فيها متلازمة الطايف الورد والمجرور والطبيعة والبشر.