لكل واحد منّا طاقة داخله وطبيعة توجيهه لها هي التي تحدد شكل حياته، هذه الخاطرة جاءتني خلال وجودي في كولومبيا بمدينة تدعى «ميديلين» (Medellín) (يلفظها السكان المحليون ميدجين) وهي مدينة عاشت معاناة انتشار الجريمة والمخدرات لفترة ليست بالبسيطة، وكان اسمها مرتبطاً بروايات وأعمال تلفزيونية وسينمائية تتحدّث عنها، ولكن قادة المدينة نجحوا بعد قضاء السلطات على أقطاب الجريمة في تحويل «ميديلين» إلى تحفة فنّية وإبداعية بأيدي شباب وشابات المدينة، وبالتالي توجيه طاقاتهم نحو الرسم على الجدران (الجرافيتي) وفرق الرقص وغيرها من الفنون.
هذه النقلة في سمعة وشكل الحياة في المدينة، ليست مرتبطة بالإمكانيات المادية فيها، ولكن بنموذج مميز لإعادة توجيه الطاقات والشراكة مع المجتمع المحلّي، الذي جعل من يزورها لا يملّ من استكشاف أدقّ التفاصيل. السكّان لم يتغيروا ولا أرض المدينة، ولكن ما تغيّر هو تحجيم الطاقات السلبية والقضاء عليها، وإعادة إطلاق اندفاع الشباب بصورة تُشبه بهجة قوس قزح في روايات الأطفال.
لذا في (رمستي) استعرت جزءاً من اسم الجولة السياحية، التي نظّمتها لي شركة السياحة (جولة الابتكار الاجتماعي)، فعلاً ما شاهدته ولمسته في أجواء المدينة وسلوك أبنائها، هو ابتكار للطاقة الإيجابية في المكان.
كل ذلك جعلني أفكّر في أن ما ينطبق على مواجهة مدينة لمشكلاتها، ينطبق على مواجهة الأفراد لتحديات الحياة. فمهما كانت مشكلاتك ستكون مهارتك في إعادة توجيه انتباهك وطاقتك في محيطك جزءاً كبيراً من حلّها، وقد يكون استمرار معاناتك ناتجاً عن انشغالك الزائد عن اللزوم بالمشكلة، بينما ما يلزم هو تفتيت المشكلة أو أحياناً تجاهلها لاستجماع الطاقة وإعادة إطلاقها ليسعد الإنسان ويحتفل بجوانبه الإيجابية.
تعديل السلوك الإنساني والتأثير فيه، يستغرق وقتاً طويلاً في العادة، ولكن سرّ النجاح هو البدء وتحديد الأهداف الجديدة التي يريدها الشخص. فإن نجحت مدينة كانت رمزاً للجريمة في يوم ما، في أن تُصبح وجهة لسياحة عشّاق الفن والإبداع، فتحويل أي تحديات لدى الإنسان سيكون أبسط لو وُجدت الإرادة والخطوات الأولى. فهل أعددتم علبة ألوانكم لتعيدوا رسم ما يزعجكم ليصبح لوحة تُحبون أن تستيقظوا عليها؟