كثيراً ما نتعرض بحكم المهنة، لسؤال محرج، والإجابة عنه ليست سهلة، وتحتاج إلى وقفة بسيطة قبل البدء بتلميع اللغة، كي لا تكون عصية على الفهم أو متعددة التفسيرات.
السؤال: كيف يستطيع الإعلامي الانتقال من موقف إلى آخر، على النقيض منه بكل ثقة وجرأة؟ وكيف ينتقل من هذه الدفة التي كان دائماً مدافعاً عنها، إلى الدفة الأخرى، محارباً لها؟
شخصياً تقفز إلى عقلي هذه الأبيات، لأبي الطيب المتنبي في مدح كافور الأخشيدي:

أبا المسك ذا الوجه الذي كنت تائقا

إليه وذا الوقت الذي كنت راجيا

أبا كل طيب لا أبا المسك وحده

 وكل سحاب لا أخص الغواديا

فلو لم تكن في مصر ما سرت نحوها

 بقلب المشوق المستهام المتيم

من لبيض الملوك أن تبدل اللون

بلون الأستاذ والسحناء

ما أجمل هذا المديح بحيث وصل الأمر بأبي الطيب أن يتمنى على كل الملوك أن يبدلوا لونهم إلى اللون الأسود (وهو لون بشرة كافور الأخشيدي) ووصفه بأنه أبو المسك، بسبب لونه أيضاً، لا بل هو أبو الأطياب كلها.. طبعاً هذا في زمن العز والرغبة في المنصب وجزيل العطاء.
ثم لا أكاد أصدق عقلي عندما تقفز إليه أبيات للشاعر نفسه قالها في هجاء الشخص نفسه الذي مدحه سابقاً مستخدماً المعيار نفسه، لون البشرة، حين يقول:
العبد ليــــــس لحر صـــــالح بأخ          لــــو أنه في ثيــــاب الـحــــر مولود
لا تشترِ العبد إلا والعصـــــا معــه       إن العبيـــد لأنجـــــــاس مناكيــــــد
نامت نواطير مصر عن ثعالبها     فقد بشمن وما تفنى العناقيد
ما كنت أحسبني أحيا إلى زمن    يسيء بي فيه عبد وهو محمود
وهنا عندما لم يتحقق مبتغاه.
هكذا هو الإعلام، المصلحة تعلو فيه على المبدأ في غالب الأحيان. ذاك الزمن لم يكن هناك إعلام كان شعراء يخشاهم الحكام، أخذت مكانهم وسائل إعلامية وإعلاميون وأقلام.. كثيرون يستخدمون طريقة أبي الطيب المتنبي. ولا تصدقوا أي شيء آخر.
الأهم أن أبا الطيب المتنبي هيهات أن يولد مثله.