في أحد اللقاءات العائلية حيث يتجمع الإخوة والأخوات في منزل كبير العائلة، تجمع الأطفال في ساحة المنزل الخارجية، وكالعادة قد يختلف الأطفال، وأثناء الاندماج باللعب دفع أحدهم (ع) من دون قصد، فجاءت (ع) ذات السنوات الثلاث، وهي تبكي بشدة وتشتكي بأن ابن عمها أوقعها أرضاً، مما تسبب في جرح يكاد لا يُرى في يدها، احتضنتها أمها لتبرر ما حدث بأنه غير مقصود وكعادة الأمهات يُقبلن مكان الألم حتى يتلاشى، وبالفعل صمتت (ع) فجأة، وكأن شيئاً لم يكن، علقت إحدى النساء: «الأطفال يتلاعبون ويبالغون في البكاء وفي الحقيقة هم لا يشعرون بالألم على الرغم من الدموع المنهمرة». ولكن في الحقيقة هم يتألمون ويعبرون عن ألمهم بالبكاء، ولكن لمجرد أن تضع الأم أو الأب قبلته على مكان الألم فإنه يتلاشى. السبب هو العقل المتحكم ذاك المكنون الذي يُسيرنا ويتحكم بنا، وما حدث لها هو رسالة العقل التي توحي إليها بأن قبلة الأم هي دواء مباشر للألم. دعنا عزيزي القارئ نُجري تجربة بسيطة: تخيل موقفاً معيناً سواء كان مفرحاً أم محزناً، ركز في تفاصيل الموقف، ستشعر بأحاسيس جسدية وعاطفية حقيقية، هكذا هو العقل يمكنه أن يتحكم بحياتنا وقدراتنا الجسدية والعاطفية، لذا علينا أن نفكر بطريقة إيجابية بعيداً عن خبراتنا السلبية والحزينة والمؤلمة.
كثير من المتخصصين في علم النفس وفي السلوك الإنساني بحثوا وتحدثوا عن قوة العقل في التحكم بنا وبشكل قد لا يُقاوم بسهولة، ولكن يمكننا تعزيز الارتباط المفيد بين العقل والسلوك الذي بدوره يؤثر حتى في الصحة النفسية والجسدية، وسيمكننا ذلك من خلال: الابتعاد عن التوقعات والتي هي في الأساس تضعنا في دائرة الفكرة التي أساساً نلجأ إلى تحقيقها من دون وعي منا في كثير من الأحيان، على سبيل المثال: يشعر أحدهم بألم حاد في كتفه ويذهب للطبيب ليعطيه حقنة، لأن لديه قناعة بأن علاج الألم هو الحقنة، فيرى الطبيب بأنه يحتاج فقط إلى مسكن، وبالفعل يعود إلى البيت ويستخدم المسكن، ولكنه لن يُشفى فيعود للطبيب مطالباً بالحقنة، لأن الألم لا يزال هناك، وفي الحقيقة لو لم يتحكم به العقل بالتوقع الذي آمن به لشفي من الألم، فعليك أن تكون منتبهاً لتوقعاتك ومعتقداتك.
والبعض يذهب لأبعد من ذلك، حيث يربط العقل بالعواطف والمشاعر من خلال برمجته للهرمونات التي تفرز بعض المواد التي إذا ارتفعت قد تسبب التوتر، وبالتالي يرسل العقل رسائل وتعليمات كهرومغناطيسية وعصبية لأعضاء الجسم فتتغير ضربات القلب وتتغير عضلات الوجه ويضيق التنفس ويتأثر الجهاز الهضمي، ويشعر الشخص بالخوف والغضب والإجهاد. وقد يفرز هرموناً آخر كالأوكسيتروسين الذي ينتج عنه الإحساس بالدفء والرحمة والحب، وبالتالي تكون ملامح الوجه مسترخية. هكذا يمكننا أن نعاني بعض الاضطرابات النفسية والأمراض الجسدية بسبب مشاعرنا كالحزن والسعادة، ومن الممكن أيضاً معالجة تلك الأمراض من خلال معرفة المزيد عن التأثير الجسدي للمشاعر والعكس من خلال العقل وتوجيه الفكر، ومن أكثر العمليات العقلية المفيدة لنا التخيل فمن خلاله نستطيع تغيير قوة العقل الذي بدوره يستطيع أن يجعلنا ننجز ما نريد من خلال التخيل.
ولو بقينا كالصغار نؤمن بتلك القناعات البسيطة والمرتبطة بقبلة الأم والأب، لكنا أكثر صحة وسعادة واتزاناً.

استشارة
لدي طفل عمره خمس سنوات، عصبي ويعتدي على زملائه في الروضة، حاولت أن أعاقبه، ولكنه لا يلتزم ويعارض كل أنواع العقاب السلمية، أفكر في أخذه للطبيب، ولكن زوجي رفض الذهاب حتى لا يأخذ أي أدوية، بصراحة نضربه أغلب الأحيان لتعديل سلوكه.. هل هناك نصيحة يمكن أن تساعدنا لتهدئته قبل بدء الدراسة؟
- عزيزتي الطفل في هذا العمر عادة يقلد سلوكيات الآخرين في التعامل مع الآخرين، قد يكون أحد الموجودين معه في البيت عصبياً، فهو يقلده، فإذا كان أحدكم بالفعل عصبياً فعليه تغيير هذا السلوك.
وقد يكون السبب أحياناً هو الطعام، فنوعية الطعام المليء بالأصباغ والمواد الحافظة مثلاً يؤثر كثيراً في سلوكيات الأطفال نتيجة تأثير ذلك في المادة الهلامية في الدماغ.
وقد تكون الأسباب نفسية سلوكية، لذا لا يمكن وصف طريقة العلاج، ولكن يمكنك الذهاب للأخصائي النفسي في المدرسة لاكتشاف السبب الحقيقي، وحتى ذلك الوقت حاولي التأكد من النقاط التي ذكرت.