لم يغير متحف الحضارات السوداء الجديد المشهد في وسط مدينة داكار في السنغال فحسب وإنما كرس أيضاً تشكيل شعور القارة بالهوية كمكان يمكن للأجيال الشابة أن تجد فيه المزيد عن تاريخها وتراثها ومكانها الحقيقي بين حضارات العالم.

بامتداده على مساحة تقارب الـ14 كيلومتراً مربعاً، وقدرته على استيعاب 18 ألف معروض في المستقبل، تم وصف المتحف الجديد للحضارات السوداء، الذي افتتح في العاصمة السنغالية داكار، بأنه قادر بالفعل على التنافس مع «المتحف الوطني للتاريخ الأميركي الأفريقي» في واشنطن، باعتباره أكثر من مجرد مكان للمعارض، بل هو لقاء لجميع الحضارات لقارة، يعود تاريخها إلى سبعة ملايين سنة.

عمارة تقليدية
بني المتحف بعمارة مستوحاة من أكواخ القرى الدائرية والتي تحاكي المنازل التقليدية النموذجية لجنوب السنغال في كازامانس وتمتد مساحاته على خمسة طوابق تضم قاعات المعارض والندوات والمكاتب. تتوزع معروضاته على ثلاثة مستويات في الوقت الحالي (الطابق الأرضي، الطابقين الأول والثاني). يعرض «متحف الحضارات السوداء» واحدة من كبرى المجموعات الفنية في أفريقيا. ويشمل أشياء قديمة وحديثة من المغتربين الأفارقة، والثقافات التي تشرف على السود والمجتمعات الأفريقية في جميع أنحاء القارة.

آثار
يضم متحف الحضارات السوداء حوالي 600 قطعة معارة أو عمل جمع من مختلف المتاحف في السنغال وأفريقيا وحتى في أماكن أخرى. وتوجد فيه آثار من عصر ما قبل التاريخ، مثل بقايا أول البشر الذين ظهروا في أفريقيا منذ ملايين عدة من السنين في تشاد وإثيوبيا. وأقنعة الطقوس من جميع أنحاء أفريقيا وحتى العالم. وتُذكر مفاهيم الرياضيات والطب والهندسة المعمارية التي خطت على الجدران زواره بإسهامات أفريقيا في التراث الثقافي والعلمي للعالم.

كنوز
في أروقة المتحف هناك صور بالأبيض والأسود للنوادي الليلية الأفريقية في الستينات، صورها مصور مالي الشهير ماليك سيديب، ولوحة جدارية قوية للفنان الهايتي فيليب دودارد تصور الأديان الأفريقية والممر الأوسط، إضافة إلى العديد من المقتنيات التي ترمز إلى الهوية الأفريقية، كما توجد مجموعة من الآثار الفرعونية المستنسخة بصورة عالية الدقة مُهداة من مصر إلى السنغال، ويضم بعض القطع النادرة مثل الصنادل وسيف الحاج عمر تل فوتيو، صورة غير منشورة لممثلي النقابات في السنغال «هدية» من التحف الفنية من رواندا تتكون من رمح يسمى إيكومو والدروع (إنجابا)، لوحات زخرفية وسلال تقليدية (أغاسيكي). والعديد من الكنوز الأخرى التي لا تقدر بثمن.

«أفريقيا الآن»
تعرض قاعة «أفريقيا الآن» داخل «متحف الحضارات السوداء» الفن الأفريقي المعاصر، والكارافان والكارافيل، الذي يروي قصة التجارة في البشر، عبر المحيط الأطلسي ومن خلال الصحراء، التي أدت إلى ظهور مجتمعات جديدة من الأفارقة في الأميركيتين، وتلمس أعمال المعاصرة في المعرض كلاً من الانتصار والمأساة.

فكرة
يعود إنشاء متحف الحضارات السوداء إلى عام 1966 عندما طرح الرئيس ليوبولد سيدار سنغور الفكرة على هامش المهرجان العالمي الأول لفنون الزنوج في داكار، وبعد مرور أكثر من نصف قرن، وبدعم من اليونسكو والحكومة الصينية، تمكن المتحف من الترحيب بزواره الأوائل عند افتتاحه في السادس من ديسمبر 2018.