محمية الخفافيش الواقعة بمنطقة الهوارية شمال شرق تونس، هي أحد الملاجئ الأخيرة لحيوان يهدده الانقراض، كما أنها في الوقت نفسه تعتبر مصدر رعب لسكان المنطقة ومحور أساطير وقصص مريبة تُحاك عن مهاجمة الخفافيش القاطنة بالمنطقة للبشر؛ بهدف مص دمائهم.

حول هذه الأساطير والقصص يقول الباحث التونسي في المجال البيئي صبري ولاني: «إن اسم الوطواط أو الخفاش اقترن بقصص من نسج الخيال تسيء إليه، وتدفع ا?نسان إلى محاربته، حتى أن بعض الدول تنفذ حم?ت منظّمة ?بادة الخفافيش والقضاء عليها بسبب ما ينتج عنها من أضرار بالمحاصيل الزراعية».
وأضاف : «مع تقدم العلوم عامة، وعلم الأحياء خاصة، برزت الأهمية التي تمثلها الخفافيش في المحافظة على التوازنات البيئية، وفي تنمية المحاصيل الزراعية، ولكن هذه الاكتشافات لم تشفع لفصيلة الخفافيش في الكثير من الدول العربية، ولم تخلصها من الصورة السلبية التي تحملها عنها الكثير من الشعوب، والربط بينها وبين الشؤم والأوبئة».

كرة الثلج
مقابل ذلك أكدت منى الماجري، وهي من سكان المدينة، أن محمية الخفافيش تعتبر مصدراً لإخافة الأطفال من أجل تقويم سلوكهم والسيطرة عليهم، ومن هنا انطلقت القصة حيث تتوسع كل أم في حياكة أساطير لأطفالها من أجل إخافتهم، ومنعم من الاقتراب الى المسالك الجبلية الوعرة التي تميز المدينة .
وهو ما أكدته أيضا نهلة سلامة، مضيفة: «إن الأساطير التي حاكتها الأمهات وتناقلتها الأجيال هي التي جعلت من المحمية مصدراً للرعب والخوف، والحقيقة أننا لم نرَ أو نسمع أي شيء حقيقي صدر من هذه المحمية، إلا أن الأساطير أصبحت بمثابة كرة الثلج التي تكبر مع كل جيل».

غير ضارة
«أغلب أصناف الخفافيش ضارة» هذه الفكرة المغلوطة عن الخفافيش كرس الباحث التونسي صبري ولاني جهده ووقته لدحرها وإثبات عكسها عبر إشرافه على محمية الخفافيش، إذ أشار إلى أن الخفافيش تحوم حولها الكثير من الأساطير والخرافات كمهاجمة البشر بهدف مص الدماء.  وأكد من واقع خبرته أن تلك خرافات لا أساس لها من الصحة، موضحاً أن هذه الأصناف من الخفافيش توجد في أميركا الجنوبية، أي في مناطق بعيدة جداً أو الرسوم المتحركة وأفلام الخيال.
وأشار إلى أن أغلب أصناف الخفافيش غير ضارة، ويقتصر غذاؤها على الحشرات أو الفواكه وهي تخشى الإنسان وتتجنب الاقتراب منه، وحول محمية الخفافيش بمنطقة الهوارية يقول الباحث التونسي: يقع كهف الخفافيش الذي هو في الأصل منجم روماني لمادة الطين في منطقة الهوارية، التي تتميز بكثرة الكهوف والمغاور التي تعود إلى الفترة القرطاجية».
وتابع: «هي محمية طبيعية صغيرة مسورة، تمتد على مساحة هكتار تقريباً تقع على ضفة وادٍ، ويؤدي المدخل الرئيسي للمحمية إلى ممر مسور بطول 98 متراً، يقود إلى مدخل تحت الأرض، يتفرع إلى سلسلة من الممرات والغرف المتتالية» مشيراً إلى أن المغارة تجمع حوالي 10 آلاف خفاش موزعة على ستة أنواع نادرة، مرجحاً وجود أنواع أخرى لم تكشف الدراسات عنها بعد.

حليف للإنسان
وعن الدور البيئي لطائر الخفاش يقول صبري إن الخفافيش هي تعد حليفاً للإنسان في الحفاظ على بيئة صحية، بالإضافة إلى دورها في تلقيح المحاصيل، وتسهم أيضاً في تنظيم وجود الحشرات غير المرغوب فيها، ولولا الخفاش لانقرضت غابات شاسعة ولاختفت نباتات عديدة من سطح الأرض.
 
مردود اقتصادي
ويؤكد الباحث صبري أنه أصبح للخفاش في تونس مردود اقتصادي وصحي، إذ يتم حالياً بالتعاون بين معهد باستور بتونس للأدوية وأحد المختبرات العالمية بإسبانيا استغلال بعض المواد التي تفرزها الخفافيش الموجودة في هذه المغارات لاستخراج لقاحات مضادة للإنفلونزا الموسمية، ودواء مضاد للجلطة.