قد يرى البعض أن العنوان ملتبس بعض الشيء، ولكن التعري يحمل الكشف بمعناه الواسع، فحين يتحدث الإنسان فإنه يعري المظهر الخارجي ويرى الناس ما بداخله، من هناك كان الفلاسفة يقولون تكلم حتى أراك، فالإنسان الصامت لا نرى منه إلا شكله الخارجي، وحين يتكلم فإننا نراه جيداً، هل هو مثقف أم جاهل أم خفيف ظل أم عكس ذلك، إننا نراه كما هو.
وكذلك أسرار الإنسان حين يكتمها في مستتره، وحين يكشفها يكون بذلك قد تعرى، وأصبحت في متناول الناس في حديثها، ولا يقتصر كتمان الأسرار على الأمور الخاصة جداً، فهي بالعادة ما تكون مستترة، ولا يرغب أحد في الاطلاع عليها إلا الفضولي.
وحين يطالعنا الحديث الشريف (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود)، فإن مرجعنا عند الرسول الكريم، بأن الكتمان في أمر قضاء الحوائج من الأمور المحببة، في الوقت الذي نرى فيه الكثير ممن يتحدث عن مشاريع لم يبدأ بها بعد، ويناقش التفاصيل مع الأصدقاء ليس بحثاً عن النصيحة بقدر ما هو استعراض وتفاخر.
وتكثر هذه الحالة في السفر وما يسبقه من استعراض عن درجة السفر والفنادق ذات الخمس نجوم، ومنهم الصادق ومنهم الكاذب، وما أشير إليه إلى أن التعري وكشف ما تريد أن تعمله، لا يضيف إلى الإنسان شيئاً، بينما قد يصيبه بالحسد والعياذ بالله، وقد لا يسافر الإنسان لظرف ما، وهنا يكون مادة للتندر بين الأصدقاء.
وهناك من يعد بناء على وعد، فيتحدث عن ما سيقوم به بناء على وعد سابق، ويبدأ بالتخطيط والوعود، وكثيراً ما تفشل تلك الأمور أو تتأخر، وحين تعذر من وعدك وتقدر ظرفه، قد لا تجد من يعذرك بوعدك أو يقدر ظرفك، وهنا تكون كمن تعرى أمام من وعدهم.
وقد يرى البعض أن هذا الحذر يقترب من منطقة التشاؤم، وبأن الإنسان يجب أن يتفاءل، وهو تقارب غير منطقي، فلا مكان للتشاؤم أو التفاؤل هنا، بل هو حالة من عدم الرغبة في التعري من ما يستر الأسرار، لا مبرر لكشف أمر ما وهو قيد الإنجاز والتدبر، فقد يصاب الإنسان بالإحباط من تكرار خيبة الأمل، حتى يفقد الرغبة بالفرح حين يتم الإنجاز، بعد أن يتكرر الفشل.

شـعر

الأرضُ ضيقةٌ وواسعةٌ مرايا القلبِ

وتمددي بالطولِ أو بالعرضِ

فاختلطي بماءِ الروحِ

لا تتشابه الأقرانُ

تنتبه الكرومُ على الشفاهْ

كي تتشابه الأشباهْ

ودَعي لي الغاباتِ

أنتِ استداراتُ السكونِ

لستُ مغامراً فظاً

وأنتِ أنفاسُ اللقاءِ

لأتركَ غابتين وأنتمي يوماً لآهْ

وأنتِ أعذاقُ الحياةْ