هناك مصائر وأقدار شديدة القسوة. تأتي هكذا صدفة فتفرض نفسها على الإنسان ولا خيار له فيها. قصة غريبة تلك التي جمعت الكاتب الجزائري الفرانكفوني رابح بلعمري، بصديقته، ثم زوجته إيفون لوفور. كل شيء بدأ بتلك اللحظة الدرامية. عندما كانت الجزائر تحتفل بعيد استقلالها في الخامس من يوليو 1962، كان رابح بلعمري يبحث عن بصره ليخزن مشاهد الاستقلال، لكنه يومها فوجئ بفقدان البصر بسبب انتزاع الشبكية. وتحول يوم الاستقلال إلى رماد، شبيه بسنوات الجمر والموت. سجل بلعمري ذلك كله في روايته «النظرة الجريحة» التي نشرت في أكبر دار نشر فرنسية، غاليمار، في 1987. فكر يومها بلعمري في الانتحار، لكنه في أعماقه كان أكبر من ذلك. واصل دراسته بالبرايل والتحق بالمدرسة العليا للأساتذة بالجزائر العاصمة، قبل أن ينتقل إلى باريس في 1972 ويلتحق بالسوربون ليحضر بها الكفاءة ثم الدكتوراه. إرادة رابح كانت جد صلبة. اشتغل على جون سيناك، الشاعر الفرانكو - جزائري، الذي كان يكن له حباً كبيراً. كان يحمل ميراثاً ثقافياً خزنه من قريته ببوقاعة، ودوّنه لاحقاً في قصص موجهة للأطفال. ظل رابح بلعمري يرفض القدر الذي فُرض عليه، ولم يقبل حالة فقدان البصر كنهاية لحياته الثقافية والإنسانية. يسافر في 1972 إلى فرنسا لمواصلة دراسته العليا في باريس. في السنة نفسها يتعرف إلى إيفون لوفور طريقة تذكر بشخصية سوزان، زوجة طه حسين التي منحت بصرها وحواسها الحية لزوجها. تصمم إيفون التي تعاطفت مع حالة صديقها رابح بلعمري، وأحبت إصراره على النجاح، على الذهاب بعيداً في مساعدته. وظلت تلح بأن عاطفتها حقيقية ولا علاقة لها بالشفقة. وعلى الرغم من صعوبات الأهل، تتخطى كل العقبات وتتزوجه. لم تقف في وجهها العوائق الاجتماعية أو الثقافية، فتحتضنه وتصبح هي بصره الغائب، بها يقرأ ويتذوق بها، وبها يكتشف الثقافات الإنسانية. إلى أن أصبح علامة ثقافية إنسانية واسعة الانتشار. فقد منحته بصرها وعلمها وأمومتها. حتى أنها عندما نسته الجزائر كلياً، ولم تهتم به حتى ميتاً (28 سبتمبر 1995)، منحته إيفون مساحة صغيرة في مقبرة العائلة، التي دفن بها بالشكل الذي أراده.