حسناً، قد يبدو قولي الآتي في غاية الغرابة. لا أملك ضمانات لكم، ولست مسؤولة عن أيّ أعراض جانبية، لكن عليكم أن تصدّقوني فحسب. هناك فرصة جيدة، بل أقول أكثر من جيدة، لكي تصلوا إلى أعمق نقطة في الوجود، وأحياناً ما وراء الوجود، يحدث هذا كلّه عندما يغدو الواحد منّا مريضاً. إلهي كم تبدو الأشياء ساطعة الوضوح.
ستتجوّل في عقلك كما لو كنت سائحاً في بطن الحوت، مجرى الدم حين يضخّ أشبه بإيقاع حفلة عزوبية، ستصبح حواسّك مهيّأة أكثر من أيّ وقت مضى لاكتشاف المزيد، ستسمع حتى وسوسة الشياطين، وصوتك الداخلي سيتشكّل لك في هيئة إنسان، ستنهال عليك الأسئلة: أبشرٌ نحن؟ أم مجموعة حشرات صغيرة؟ أم مجرّد غبار يتحرّك؟ لماذا اخترعوا الأكواب دائرية بدلاً من أن تكون مُثلّثة؟
في مثل هذه الحالة، قد تصل إلى اختراع التنقّل بكبسة زر، أو ما يُتيح خاصيّة التخفّي، قد تكتب رواية فلسفية عميقة، أو تحلّ مسألة رياضية معقّدة وسط الصفاء الذي يمنحك المرض إياه. ما كنت لتعرف كلّ هذا لولا شعورك التامّ بالعجز والقدرة في آنٍ معاً، أنت تملك نفسك من دون أن تملكها. ما يحدث لك في العمق هو أنك تولد مرّة أخرى، لكنّ أول ما يظهر منك أثناء الولادة رجلاك لا رأسك.
لن ترغب في أن يتواصل معك الآخرون حتى لا يفسدوا لحظة التجلّي الخاصة بك، يصعب في الواقع أن تعرف إذا ما كنت تعيش في الواقع، أو كان يعيش فيك. تختار الكلمات بدقّة وعناية، وكل جملة وزنها أثقل من الأخرى، إنك تصبح فيلسوفاً من دون أن تدري أو تخطّط لذلك، وهذه نعمة عليك أن تحمد الرب عليها، لكن عليّ أن أقول، إنك تُفسد كلّ شيء عندما تختار أن تتعفّن دهراً في السرير.
يتم كلّ هذا في جوّ من الهدوء النسبي، وبعد أن تختبر هذا الشعور، سوف تأكل مزيداً من المثلّجات، لن تجفّف شعرك أمام سطوة التكييف، عمداً ستقاوم النوم أياماً، وفي أسوأ الحالات، سوف تلهث خلف أشخاص مريضين بالحمّى أملاً في الحصول على عناق.