الكاتب المتمرس عادة لا يعاني الأسلوب أو الخيال، ولكنه قد يعاني الفكرة التي يريد الكتابة عنها، إنها الفكرة التي تشكل العمود الفقري للمقال اليومي أو الأسبوعي، الفكرة التي يعود لها الفضل في وجود المقال، وخروجه إلى الحياة كالمولود الجديد.
أعرف قصة لطفلة طلبت المعلمة من الأطفال رسم شجرة في فصل الشتاء والثلوج منهمرة، فقدمت الطفلة ورقتها بيضاء للمعلمة، وحين سألتها لماذا لم ترسمي الشجرة، قالت لها لقد غطاها الثلج.
مثل هذا الذكاء لا يتأتى لأي أحد، فهي فكرة خارج الصندوق كما يقال، وكثيرة هي الأفكار التي نشاهدها ولا نكتب عنها، حيث ينشغل الكاتب بالعناوين الكبيرة لكتابة مقال، رغم وجود أفكار عظيمة ليست مطروقة.
يقال إن الحكمة ضالة المؤمن، وأنا أقول إن الفكرة ضالة الكاتب، فلا يبحث الكاتب إلا عما يرفع مستوى المقال، فأحياناً تأتي له الفكرة وهو يقود السيارة، فيحاول أن يكتب رؤوس الأفكار على علبة المحارم، حتى لا تضيع الفكرة، وهذا يحدث كثيراً مع الشاعر الذي تداهمه القصيدة، فيحتار كيف يكتبها وأين يكتبها إن لم يكن في المكتب.
وحين يريد أن يكتب الكاتب، ولم يجد الفكرة فتجده يذهب بالذاكرة، ويحفر في خندقها على أمل أن يعثر على ضالته، وهناك من يعود للطفولة وهي زاخرة بالمواضيع، وهناك من يلجأ إلى العاطفة فهي ثرية بما لديها، ومشاعر الحب لا تنضب عادة عند العاشق.
وقد يلجأ الكاتب إلى الحكم، فيصبح في لحظة ما فوق الورق حكيماً، ويمارس الوعظ والنصح وربما يكون هو أبعد ما يكون عنها، ولكن المقال وفكرته فرضت عليه أن يمارس دور الحكيم، فيستشهد بالآيات القرآنية حيناً، وحيناً تجده شاعراً من الجاهلية أو العصر العباسي، فيكتب الأبيات الشعرية التي تؤيد فكرته.
البحث عن الفكرة عملية سهلة جداً وصعبة في الوقت ذاته، حين تغلق الفكرة على الكاتب، ومن الأعمال الفنية التي نالت شهرة كبيرة المسلسل الكوميدي الأميركي (ساينفيلد)، حيث طلبت القناة المنتجة من المتابعين، وهم بالملايين، أن يرسلوا أفكارهم للحلقة الأخيرة، وقد تم تقديم الحلقة الأخيرة من منظور هذا المقال، حيث اجتمع الأبطال في سجن، وبدؤوا بالحديث عن أحداث الحلقات السابقة، بينما الحلقة الأخيرة من مسلسل الكرتون (سامسون) بأن يسأل الأب عن ماذا سنتحدث، فكلما قيل له موضوع، أجاب لقد قدمنا حلقة بهذا الموضوع، وانتهت الحلقة بأنهم لم يجدوا فكرة جديدة يقدمونها للمشاهد، وها أنا كتبت مقالاً حين لم أجد فكرة محددة.

شـعر

سفري إليك قصيدة، وأنا المسافر في الورقْ

ما خنت سيدتي على شمسين

لم أستعر يوماً من الشباك أغنيةً،

يا قولي غناءً كيف يجمعنا الشفقْ

ولكني استعرت النيل قافية وأنقذني الغرقْ

لا أستريب وأنت من سكنت ضلوع الشعر

علمتُ صوتي أن يسافر مرتين

تمتهن البراءةَ والفجاءةَ والألقْ

وأن يكابر كلما اتسع الفراق

شيئان ما اجتمعا وما كان الغناء مسافراً

وصار أضيقَ من نفقْ

صوتي ووجهك في الرحيل إذا تهيأ وانطلق