تقوم تجربة الفنانة العراقية فرح اليوسف على معرفة متميزة بعالم الرسم الذي استقت أبجدياته من أساتذة الفن في الأكاديمية العراقية التي منحتها المرتبة الأولى على دفعتها الدراسية، فمن سماوات أناملها الرافدينية المخضّبة بماء دجلة، تدفّقت نوارس قادمة من مدن الخيال التي تسكنها منذ أول شهقة لون.

• الخضوع لاشتراطات سوق العمل الفني، هل ينعكس سلبياً على جودة الأعمال الفنية؟
الفنان الحقيقي يحمل رسالة سامية بعيداً عن الأمور المادية، بالرغم من انجراف البعض إلى سوق العمل ووجود قسم من قاعات العرض (الجاليريات) التي تسوِّق إعلامياً لبعض المبتدئين الذين لا يملكون أيّ إمكانيات بالرسم مقابل رسوم محددة، لكن يبقى واقع الفن برأيي يعتمد على الفنانين المتمكنين وهم موجودون بشكل كبير في عالمنا العربي.

تجربة
• بألوان مدارس فنية مختلفة اكتست تجربتك في عالم الرسم، في أيٍّ من هذه المدارس وجدتِ نفسك أكثر؟
كل فنان في بداية مشواره الفني يبدأ بالتجربة والبحث في مختلف المدارس والأساليب والاتجاهات لكي يصل إلى الأسلوب الذي يجد نفسه فيه، بالنسبة إلى تجربتي بدأت بالمدرسة الكلاسيكية التي تعتبر من أهم المدارس التي تؤسس الفنان بصورة صحيحة، ثمَّ مررت بالمدرسة التعبيرية ثم التجريدية التي وجدت فيها حرية أكبر في توظيف الشكل واللون في أعمالي الفنية، ثم بعد ذلك عدت إلى المدرسة الكلاسيكية بإمكانيات أعلى نتيجة لتلك التجربة التي وجدت فيها نفسي بعد أن مررت بفترة عصيبة وأنا أشاهد مدينتي وقد دمرتها نيران الحرب فلم أجد وسيلة لأعبر فيها عن رفضي للواقع سوى توثيق الماضي بكل تفاصيله ليبقى في ذاكرتي وذاكرة أبناء المدينة.

• للرسام خيال خصب، يشيد فيه عالمه المختلف عن عالمه الواقعي ربما، ما حدود عالمك المتخيل وما أبرز ما فيه من مدهشات؟
كل إنسان لديه نعمة الخيال، لكن الفنان لديه القدرة على تجسيد هذا الخيال على أرض الواقع بكل تفاصيله وألوانه، وهو عالم خصب لا حدود له ولا يخضع لأي قيد أو شرط وهنا تكمن روعته.

استلهام التراث
• في الكثير من لوحاتك تستلهمين التراث وتفاصيل الحياة اليومية، هل لنشأتك بمدينة الموصل ذات التراث والتاريخ العريق علاقة بذلك؟
بكل تأكيد، فمدينتي الموصل جزء من بلدي العراق الذي نشأت على أرضه أعظم الحضارات، التي تركت لنا إرثاً فنياً عظيماً، عشت فيها طفولتي وعشقت كل تفاصيلها: شوارعها، أزقتها، طبيعتها، مساجدها وكنائسها القديمة التي يعود تاريخ بنائها إلى مئات السنين، ولا أستطيع أن أحلق بمخيلتي بعيداً عنها.

• لا تبدو ثقافة اقتناء اللوحات شائعة كثيراً في مجتمعاتنا، ما السبب برأيك وما السبيل إلى تنشيط هذه الثقافة؟
هذه الثقافة تعتمد على مدى الشعور بأهمية الفن ودوره في بناء الحضارة، وهذا يأتي ابتداء من المناهج الدراسية، إذ يجب أن يدرس الفن كمادة لا تقل شأناً عن بقية المواد الدراسية، إضافة إلى ضرورة إقامة المهرجانات والمسابقات الفنية والندوات الثقافية من أجل الارتقاء بمستوى التذوق الفني والجمالي في المجتمع، فالفن لا يقتصر على لوحة فنية فقط بل أصبح حاجة ملحة في عصرنا الحالي.

برامج حديثة
• يعمد بعض الفنانين إلى الاستفادة من إمكانيات البرامج التقنية الحديثة في الرسم، كيف تنظرين إلى هذه التجربة؟
من الجميل أن يتم دمج التكنولوجيا الحديثة بالعمل الفني لكن ضمن حدود معينة، فالعمل الفني اليدوي يبقى في موقع الصدارة كونه أكثر عفوية ومصداقية برأيي.

تفاصيل المكان
تقول الفنانة فرح اليوسف، إن للمكان بتفاصيله حضوراً في مخلية الفنان، موضحة: «إقامتي في دولة الإمارات بما تتميز به من طبيعة وتراث، أعطتني مادة غنية لكي أستلهم منها أعمالاً فنية كثيرة، فقد ألهمتني الأزياء التراثية الإماراتية بألوانها البراقة والحليّ القديمة بالإضافة لجمال البحر والصّحراء».