تشرق الروح حين تنير البسمة على الوجه، الصوت رنينه فرح، العيون تلمع بماء الحياة، هي السعادة في أبهى معانيها، تدركها الأبصار بلمحة، دوام البشر والسرور من ألوان الرضا والسلام الداخلي. ويقابل ذلك الحزن والتعاسة، اللذان تعودنا على التعوذ منهما كل صباح ومساء، هنا نتساءل أفي الحزن طيف من أطياف الحبور؟ أم كلّه آهات مخنوقة، حسرات مكتومة، ودموع لا تعرف كيف تتوقف إلا لتبدأ من جديد؟
يولد الحزن فجأة كبيراً، من دون مقدمات تمهد له، لكنه مع اختلاف الليل والنهار يتضاءل حتى يتقبله المرء بسلام وهدوء، كجزء من القضاء والقدر، ثم ينكشف مع كل شروق شمس جزء من الخير المخبوء، يأتي على مهل، يأتي بعد ليلة طويلة ممطرة.
ولعلّنا دوماً نتذكر ما يقوله أبو الطيب:

فما يدوم سرورٌ ما سُررت به ولا يردُ عليك الغائبَ الحزنُ

كيف للحزن أن يعبر بسلام من دون أذى نفسي أو إرباك فكري؟ كيف له أن يلامس المشاعر قليلاً من دون أن يستوطن فيها، يستولي عليها؟ لأنه لو استوطنها سينشر أمراض النفس والجسد. هو الحزن فللمرء الصبر وعدم الجزع، وأن يكون متعقلاً لا يفلت زمام مشاعره، هذا منطق الذي يمكن أن نستند إليه؛ لنحمي ذواتنا من الهم والحزن والانكسار.
للحزن جمال حين يمرّ عابراً خفيفاً، كسحابة صيف تعبر مشاعرنا بخفة، جماله تستنبت منه الحكمة والعبرة، يمكنه أن يكون جميلاً، يزهر إبداعاً مكتوباً، أو مرسوماً، أو أنغاماً، ويبقى دائماً إبداعاً في حياة تفيض أنساً ومحبة للآخرين.
للحنظل زهرة صفراء مبهجة، رغم أن ثمرته مرة الطعم، حتى قيل عنها أمرّ من العلقم، مع مرارته هو دواء مفيد لبعض الحالات. طفل يغني بجوار الحنظل في الهجير، صوت الربابة في الصحاري البعيدة، يسافر حاملاً
أنغامه المؤنسة للمسافرين في الليل الطويل، يفرح الناظر للقمر بدراً منيراً، يطمئن بأن الغد سيكون أجمل، وحده الإنسان يقرر إن كان راغباً في الحزن مستوطناً في داخله أم زائراً عما قليل سيرحل.