انطلقت فعاليات «مهرجان سوق عكاظ التاريخي» في نسخته الـ13 مطلع أغسطس الحالي، وتستمر لمدة شهر كامل، ويشتمل المهرجان على فعاليات عدة منها، الفروسية والإبل والتراث والفلكلور والموسيقى والغناء والمسرح والمهن والحرف، ومسابقة شاعر عكاظ الذي يجري تقليده بردة عكاظ، والنشاط المنبري الذي سيقدم ليالي معمقة بالفكر والدراسة والتناول للعديد من الظواهر ذات الصلة بالشأن الإبداعي والإنساني.
ومما يجدر ذكره أن «مهرجان سوق عكاظ التاريخي» الذي يعود تاريخ نشأته إلى ما قبل الإسلام، يشكل أو يشابه في دوره اليوم وكالات الأنباء العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان يجتمع فيه العرب قاطبة لتداول أمورهم وشؤون الحياة، وما يجري في مناحي الحياة المختلفة، ناهيك عن كونه بورصة حقيقية للبيع والشراء، ولعل من نافلة القول أن إعادة «مهرجان سوق عكاظ» كان مبادرة إيجابية تستحق الشكر والتقدير نظراً للأثر الكبير الذي يتركه هذا المحفل الثقافي الكبير، في إشاعة مظاهر الحياة ذات الطابع الأصيل ذي البعد الحضاري، وتأتي دورة المهرجان التاريخي لسوق عكاظ الشهير لهذا العام، وسط مؤشرات إيجابية مغايرة وتناغم لافت للنظر بين رجل الشارع السعودي، وتلك الفعاليات التي يجري تنفيذها من قبل مؤسسات الدولة، وفق انضباطية عالية للإسراع في حقن المجتمع بخطاب ثقافي مضيء ومشرق، وتخليصه من براثن الفكر السلبي الذي تسبب في إخراج هذا المجتمع من سياقه الطبيعي، ولهذا الغرض تبذل الحكومة السعودية جهوداً مضنية ليلاً ونهاراً في العمل بكل قوة، لتوفير متطلبات الحياة العصرية في ظل مشاركة رائعة من أطياف المجتمع كافة، الذين أعلنوا بترحاب منقطع النظير عن تأييدهم لكل ما تنفذه الحكومة، لإعادة تأهيل المجتمع وصياغة مصادر حياته الثقافية والإنسانية، واستعادة وضعه ودوره واحترام ما ينجم عنه من معطيات تضج بالكثير من الجوانب المشرقة، عطفاً على المقدرات فإن النظرة لـ«مهرجان سوق عكاظ التاريخي»، قد اختلفت في الوقت الراهن فالرأي العام السعودي استشعر ضرورة وجود هذا المهرجان، وانخرط في تلقف نشاطه على النحو الأمثل.
بلمحة موجزة وسريعة فإن «مهرجان سوق عكاظ» يشكل نافذة مهمة للمسرح العربي، من خلال تلك الأطروحات التي قدمها في دوراته الماضية وبزوغ فجر اللغة العربية الفصحى في المهرجان، جعلها بصمة مميزة في ظل وجود جمهور عريض يعتني بلغة الضاد من الخليج إلى المحيط، وهو ما يبرز دور المهرجان التاريخي، ويستعرض بجلاء تلك الخدمة الكبيرة التي يقدمها في الماضي وبصورة متطورة، وفي تصوري الشخصي فإن ثقافة الكرنفالات والمهرجانات عطفاً على اتساع مساحة المملكة العربية السعودية، فإنه حري بنا أن نشير إلى ضرورة وجود مهرجانات في أقاليم البلاد المختلفة للحاجة الماسة لها، في بلورة كثير من الرؤى وصياغتها في رسائل ووجهات نظر، يطلع عليها الرأي العام العالمي والعربي والإقليمي، للتعرف عن كثب على حياة السعوديين وأسلوب إدارتهم لمحافلهم وطريقة تفكيرهم ومعيشتهم، وتبديد تلك الصورة المشوهة عن الوطن، وهو الدور نفسه الذي نجح فيه من قبل المهرجان الوطني للتراث والثقافة «مهرجان الجنادرية» في وقت مبكر، عندما خرج للعالم بصورة بصرية مشوقة وبات منصة للمعرفة والثقافة والفنون، لا يقل بأي حال من الأحوال عن مهرجانات جرش وأصيلة وقرطاج، واليوم وقد بلغ «مهرجان سوق عكاظ التاريخي» دورته الـ13، فهو يقف على أبواب مرحلة تمثل انعطافاً في مسيرته، كونه يتمتع بسمات تاريخية وأيديولوجية توفر له مقومات النجاح المنتظر إذا تمت الاستفادة من مزايا المهرجان التي تكفل أن يكون عنصر جذب سياحياً وثقافياً وفنياً عميق الأثر في الثقافة الدولية في المستقبل المنظور.