على حافة عمر يغيب بلا استئذان، يتغير طعم الأشياء. كل الأشياء تفقد أحجامها لأنها تتساوى في القيمة. مرهق قليلاً من خيبة الشمس والهواء واللغة. اللغة لعنة، لا نستطيع حيالها فعل الشيء الكثير. عندما نصاب بها، يتلاقى كل شيء بما في ذلك الحقيقة والوهم. لحظة واحدة ويتسرب الفجر قوياً ليعيد الحياة لأقدام العابرين نحو يوم لا أحد يعرف كيف ينتهي. هذا القلب الذي لا يراه الأطباء أكثر من عضلة لضخ الدم، ونجعله بجنون اللغة العاشقة قيمتنا الوحيدة والعليا في هذا العبور الصغير الذي اسمه الحياة. كانت ليلة دافئة تلك التي انسحبت بسرعة.. تلك التي انطفأت بسرعة أيضاً من دون أن تمكننا من رسم شكلها الجميل حتى نتذكرها بكل التفاصيل. وكلما سحبناها نحونا تحولت إلى بياض بلا ذاكرة وبكثير من الخوف. أستأذن الآن قلبي وأدفن رأسي تحت الوسادة الباردة لكي أغرق في غيمها وذاكرتها وأركض على جسورها الطفولية، وأرى ما أشتهيه من الكائنات. في تلك اللحظة البيضاء التي تنتفي فيها كل الأشياء، وينعزل فيها القلب للإصغاء لأوجاعه، هل تصدقين ماذا رأيت في غيمة الذاكرة؟ كان الباب نصف مغلق، أو ربما نصف مفتوح. رأيتُك تدخلين بهدوء. عرفت ظلك الذي زاده النور الخارجي نحافة وانزلاقاً. لم يكن موعدنا يومها. جلستِ بالقرب من رأسي وبدأت تتأملين عيني نصف المغمضتين. لم أكن نائماً. لم تكن عيناي مفتوحتين إلا بالقدر الذي أراكِ فيه، وأرى وجهك الملكوتي الذي غرق في لون وردي فاتح، ليشبه قلبك. شعرت بسحر اللحظة الهاربة يقربك مني أكثر. لا أدري كيف خرجتْ كلماتي الأُوَل: حرااااااام عليك. كيف طاوعك قلبك كل هذا الزمن ونسيت أن قلباً حمل الأرض والسماء، ينتظرك على أجمل الحواف وأكثرها خطورة. وكأنك سمعتِ نشيدي الخفي. وضعتِ إبهامك على شفتي وهمستِ: شششت. أنا أيضاً أشتهي أن أبكي طويلاً لكن.. في مملكة الفراشة، للبكاء وقت على مساحة صدرك. لم يمضِ زمن الحياة بعد. الآن فقط تسرب خيط النور الحي مع فجوة الباب المواربة التي انتظرتْ مجيئك في خلوتي القلقة. قلتِ وأنت تغيبين مع نور الفجر: هل تدري حبيبي أن في مملكة الفراشة الحب مثل الغيب الأكبر: يمهل ولا يهمل؟ كل شيء يتضاءل إلا الحياة، فهي تتسع وتكبر فينا كالظل السري. دعني أحبكَ كما أشتهي، لا تكبّلني باليقين، فالأسئلة الكثيرة تقتل الحب الكبير.