تعتبر بياريتز من الوجهات السياحية الأشهر في فرنسا منذ القدم، كانت مصيفاً للعديد من النبلاء والأشراف والبرجوازيين، من أجل الاستمتاع بمياه شواطئها الدافئة، والتمتع بفخامة المناظر الخلابة ورقيّ معمارها ومرافقها السياحية.

تقع مدينة أو بالأحرى جزيرة بياريتز على ساحل المحيط الأطلسي جنوب غرب فرنسا، يطلق عليها اسم آخر هو بلاد الباسك، ويبدو أن التسمية تعود لقربها من سواحل إقليم الباسك الإسبانية، حيث يمكن الوصول بيسر إلى الحدود الإسبانية، وتمتلك المدينة خاصية جميلة هي أن أغلبية المعالم السياحية تقع في أماكن قريبة، فيمكن مشاهدة معظمها سيراً على الأقدام أو على متن الدراجات الهوائية، ولا حاجة لاستخدام وسائل النقل المتاحة من سيارات الأجرة والحافلات.

مدينة ريفية 
لم تشتهر مدينة بياريتز التي كانت مجرد مدينة ريفية وموطناً لتجار الصيد البحري، إلا مع حلول القرن الـ18 عندما وصلت إليها الملكة يوجين زوجة نابليون الثالث، التي كان لها الفضل في بناء العديد من الحدائق الإمبراطورية بالمدينة، لا تزال بصماتها الأنيقة تقبع شاهدة حتى يومنا هذا على جميل صنعها للمدينة، مثل  ذلك القصر الضخم الذي كانت تسكنه هي وحاشيتها، يتوسط الساحل الغربي للجزيرة، تم تحويله فيما بعد إلى فندق فخم  يحمل اسم «فندق القصر» ويرتاده كبار الشخصيات المعروفة على مستوى العالم. كما تكتظ الجزيرة بعدد هائل من المطاعم الفاخرة، وخاصة تلك المنتشرة في منطقة سانت ايميليون، تقدم ألذ وأشهى الأطباق ذات النكهة الفرنسية والمتوسطية، يعكف رؤساء الطهاة على اقتناء أنظف وأنقى الخضراوات والفواكه الطازجة التي تباع في سوق الخضراوات الخاصة بمركز المدينة، والتي تحمل اسم «أروقة بياريتز» لي هول دو بياريتز، وبجانبه سوق ملتصقة بالبناء ذاته، مخصصة لبيع اللحوم والدواجن والأسماك، حيث سيجد عشاق المأكولات البحرية ما لذ وطاب من الأسماك الطازجة وثمار البحر اللذيذة، وتقدم تلك المطاعم البحرية، المنتشرة قرب الساحل، أفخم وأرقى أنواع الكافيار الأوروبي، ترافقه مجموعة مختارة بعناية من الأجبان وخبز الباجيت الفرنسي الشهي.

الميناء القديم
عند التجول بين مدن بياريتز الصغيرة يشعر الزائر بطاقة إيجابية غريبة يتركها ويطبعها أهاليها المبتسمون المفعمون بالحيوية والنشاط وحب الحياة، لا شيء يكدر صفو حياتهم اليومية المتواضعة بتفاصيلها الصغيرة، خاصة في منطقة ميناء الصيادين القديم «لو فيو بور» الذي يعود تاريخ وجوده لعام 1870، فهناك يظهر وجه مدينة بياريتز الجميل والأنيق، بأجمل ما صُمم من البيوت القرميدية الفخمة، إذ لا يخلو أي مسكن في تلك المنطقة من حديقة مسورة بسياج، تتصل به بسلسلة من أزهار الجوري والياسمين المتسلق على جدرانها الملونة بألوان السحب والسماء، لترسم أجمل لوحة فنية تأسر جميع من يسير بين شوارعها.

شواطئ
تمتلك بياريتز بساحلها الشاسع سلسلة من أجمل الشواطئ النظيفة في أوروبا، وهو ما زاد الجزيرة شهرة عالمية يشار إليها بالبنان، يقصدها السياح من كلّ فج في فرنسا وأوروبا بأسرها، أبرزها وأكثرها شعبية شاطئ ميرامار، والشاطئ الكبير «جراند بلاج»، الذي يكتظ صيفاً بعشاق السباحة، وأكثر مرتاديه من العوائل والأطفال، نظراً إلى قربه من مركز المدينة الرئيسي الذي يعج بالمطاعم والملاهي ومحلات التسوق الصيفي الجميلة، يرافقه شاطئ «ساحل الباسك» المعروف بمياهه الكريستالية، ورماله البيضاء الناعمة، ويضم منظراً طبيعياً خرافياً تتعانق من حوله جبال البيرينيه مع حدود الساحل الإسباني، حتى يبدو لوحة فنية تفننت الطبيعة في نحتها بدقة وعناية فائقة.

منارة
من أبرز الوجهات السياحية في بياريتز، منارة «بياريتز لايت هاوس» التي يعود تاريخ بنائها لعام 1834، والموجودة قبالة البحر اللازوردي، بارتفاع يصل إلى حوالي 45 متراً عن سطح الأرض، مما يعكس على المدينة جمالاً استثنائياً، وسط أرخبيل صغير منخفض، تحيط به مجموعة من الصخور والنتوءات البحرية الساحلية.

برّ وبحر ومغامرة
عشاق المغامرة في الحياة البرية والاستمتاع بفعاليات الكشافة والمخيمات الصيفية سيتاح لهم التوجه إلى منطقة برية تدعى «جورج دو كاكويتا»، فهي موطن للمرتفعات الصخرية الباهرة، التي تتخللها شلالات جميلة لا بد من جعلها خلفية لأجمل صور «السيلفي»، ويمكنكم التنزه في المنطقة مشياً على الأقدام، أو استخدام الدراجات الهوائية السريعة من فئة «الفي تي تي» ذات العجلات المتناسبة وطبيعة البيئة الصخرية هناك، حيث سيتنفس الزائرون الطبيعة وروائح أزهار الزنابق البرية، التي تطفو على البحيرات الصغيرة التي تتخلل قاع الجبال الصخرية هناك.

ثقافة
للثقافة في بياريتز نصيب الأسد، من خلال وجود عدد المتاحف التاريخية والطبيعية الموجودة، بداية بمتحف البحر «دو لامير»، الذي يعرض شريطاً وثائقياً من الحياة البحرية في المدينة الساحلية على ممرّ الأزمان، فضلاً عن ضمه مقتنيات قديمة كان يستخدمها الصيادون في الماضي البعيد من القوارب الخشبية، وأدوات الصيد التقليدية. كما أن متحف «أسياتيك» مخصص لعرض أعمال فنية خاصة بالدول الآسيوية، تعرض من خلال شاشة عرض كبيرة، تتعلق بكبار الفنانين، من منطقة الهيمالايا، والتبت والصين والهند والنيبال.

صخرة نوتردام
من المعالم التي لا بد من المرور عليها وزيارتها «روشيه دو لافيارج»، أو ما يدعوه الأهالي «روشيه دو نوتردام» أي (صخرة العذراء أو السيدة الجليلة)، التي تلقى إقبالاً واسعاً من السياح من مختلف الأجناس والأعراق، لما يسحر ناظريها من منظرها المهيب قبالة المحيط، ويروي الأهالي أن اسمها يعود لأسطورة قديمة، مفادها أن قديسة جميلة وقفت عليها لتحرس المدينة من أشباح وشياطين البحر، ورغم الخرافة القديمة إلا أن الصخرة اليوم تعتبر معلماً تاريخياً أساسياً في بياريتز، يمكن الوصول إليها عبر جسر حجري، يشبه في بنيانه أحد حصون القلاع الرومانية المنيعة، يكشف عن مشهد ساحر لزرقة البحر، وهي تحتضن الصخرة بكلّ حبّ.