حين فكرت أن أكتب عن العيد باقتراح من ملهمتي، انهالت عليّ تفاصيل كثيرة، واكتشفت أن العيد ظاهرة اجتماعية بكل مجتمع، وكل عقيدة لها أعيادها بالطبع التي تختلف عن أعياد طائفة أو أصحاب ديانة أخرى، ولكن المروج ثقافياً لكل المناسبات الوطنية أو الاجتماعية، هي الطبقة المثقفة بكل مجتمع، الطبقة التي تكتب وتحلل بالصحف والمجلات، والتي تتحدث في وسائل الإعلام، فهي بالمحصلة التي تحدد شكل المناسبة وأبعادها.
قالت لي لا شيء جديداً في العيد، فالملابس نحن نشتريها طوال السنة، والولائم واللقاءات نمارسها طوال السنة، فما الذي يفرق بين ملابس العيد وسواها من ملابس، وما الذي يميز الولائم واللقاءات العائلية؟
من حيث المنطق، هي أصابت كبد الحقيقة، وقبل أن أقر لها بصحة ما قالت تذكرت أن المجتمعات العربية تتشكل من مستويات اجتماعية، لا تتشابه إلا بانتمائها لذات الوطن، وذات اللغة، وتبدأ الاختلافات بأنها لا تلبس ذات الملابس ولا تأكل ذات الأكل.
فمما أذكره أن ملابس العيد كانت أمراً مهماً في حياتنا في الصغر، حيث كنا من حزب الفقراء، وكانت ملابس العيد أمراً مهماً لجميع أفراد المجتمع، وليس كما يحدث الآن، على الرغم من أن البعض لا يزال يصر على هذه العادة الجميلة، من دون أن تكون له مصلحة لذلك.
إن المجموعة المثقفة التي تقود المجتمع اجتماعياً، وتضع أشبه ما يكون بلافتات تحدد شكل وما يجب وما لا يجب أن نقوم به في العيد، حتى أصبح النوح على الماضي هو السائد في حديث الناس في المجالس، هذه المجموعة لا تضع احتياجات الطبقة الفقيرة في بعض المجتمعات، التي تعتبر عيد الأضحى مناسبة مهمة ليحصلوا على اللحم، الغائب عن موائدهم طوال السنة، والتي تجتهد وتقترض ليلبس أبناؤها ثياباً جديدة.
إن نظرتنا للعيد ليست واحدة عند أفراد المجتمع الذي تحدد نظرته ظروفه المادية، ليست الكلمات التي يقرؤونها أو يسمعونها، مثلما تتوحد نظرتهم للوطن الذي لا تحكمه ظروف اجتماعية أو مادية، فحب الوطن هو سقف يعيش الجميع تحته، بينما المناسبات الأخرى تختلف بالوطن.
لقد أصبح عيد الفطر في بعض المجتمعات عطلة مناسبة للسفر، مدعمين فكرتهم بأن عيد الأضحى هو عيد الحجاج، بينما عيد الفطر هو العيد الحقيقي، حتى الأضحية أصبح أمرها سهلاً بوجود جمعيات خيرية تقوم بهذا الدور على أكمل وجه شرعي، بينما في الطبقات البسيطة هناك احتفالية الدم واللحم الذي لا بد منه في هذه المناسبة، فلا تتشابه الأعياد إلا بموعدها في العالم العربي.

شـعر

لي مع العيد حديثٌ

هي في الأضلاعِ عطرٌ

لي مع العيد عتابْ

يستحي منه اكتئابْ

لي مع العيد حكايا

وأغنيها بصدري

أقتفيها كالسرابْ

فرحاً عشقاً مذابْ

كلما لامستُ منها

لو رأتني باشتياقي

مبسماً إلا وغاب

لأتت تطرقُ بابْ