لم يكن الملك الفرنسي هنري الرابع، الذي غير وجه فرنسا بمنجزاته، شخصية عادية. فقد كان رجل دولة مميزاً، لكن أيضاً كان رجلاً عاشقاً للحياة بامتياز. عندما توفيت مفضلته غابرييل ديستري، شعر بالفراغ الكبير، وكان قد خرج من زواج عقيم، لم ينجب من خلاله وريثه الذي كان يحلم به. ارتبط بعلاقة بماري دي ميديسيس، الجميلة، في 1600، ذات الأصل الفلورانسي، لكن مزاجها الصعب وغيرتها جعلاه يبتعد قليلاً بحثاً عن السكينة التي وجدها في امرأة ظلت مرتبطة به حتى موته: هنرييت دونتراغ التي أصبحت مع الزمن معشوقة الملك المفضلة الذي لم يكن يجد راحته إلا معها، خارج الصراعات السياسية والحروب القاسية وبناء دولة قوية، عمل الكثير من أعدائه على تقويضها. وعدها بالزواج في حالة إنجاب ذكر، فحملت منه في الشهور الأولى لعلاقتهما، لكن القدر كان ضد هذه الزيجة. فقد ضربت الرعود والعواصف قصرها في فونتينبلو، مما جعلها تلد قبل الأوان، ذكراً، مات في أيامه الأولى، فسقط وعد الزواج المكتوب تلقائياً، فأتم زواجه بماري دي ميديسيس.. في السنوات التي تلت، أنجبت هنرييت من الملك ابنين: غاستون هنري دي بوربون، الذي سيصبح شخصية سياسية ودينية معتبرة، وغابرييل أنجليك دي بوربون، لكن خارج دائرة الزوجية، مع اعترافه بهما، آخرهما كان في سن الدوفان لويس، من زوجته ماري، الذي خلف والده في الملك بعد اغتياله، مما أوجع كثيراً هنرييت. كيف يصل المُلك إلى ابن ماري فقط لأن أمه تملك حصانة الزوجية، بينما لا يصل ابنها غاستون هنري الذي كان ثمرة حب حقيقي؟ حاولت هنرييت أن تقنع الملك بالزواج لكنها لم توفق، وظلت في دائرة المعشوقة التي لا تعني الشيء الكثير في نظام توريث الحكم. قامت بالمستحيل لوضع ابنها في الحكم في مكان أخيه الدوفان لويس، لكنها لم تفلح على الرغم من المكائد والحيل التي مارستها، لأن هنري الرابع كان قد حسم أمر الخلافة التي منحها، قبل اغتياله، لابنه الشرعي والأكبر من بين إخوته. كثر أعداؤها، إذ وجدت هنرييت نفسها خارج دائرة السلطان، فلم تجد أفضل من إنهاء حياتها في دير، بينما كان الملك قد قتل في ظروف غامضة، في 14 مايو 1610.