كان يقف خلفي مباشرة في المطار، في انتظار خروج أمتعته على الحزام، كما كنت أفعل بالضبط، وكعادتي لم ألحظ شكله ولا مظهره، لأن النظر بدقة في وجوه الناس ليس من هواياتي، سمعت الحوار رغماً عني كون الصوت الذي جاء من خلفي كان مرتفعاً جداً.
- «مرحباً كيف حالك، والله ما عرفتك.
• أهلاً دكتور، كيف حالك أنت، زمان عنك، زمان ما شفتك.
- يا زلمة متغير كثير، كبران.
• لا أبداً يمكن لأني ضعفان عن ما بتعرفني.
- لا والله يا زلمة مختير كأنك مريض.
• أبداً أبداً والله ما فيني شي، بس تعب السفر، ويمكن لأنك زمان ما شفتني».
الفضول هنا كان الفيصل، نظرت خلفي لأرى الوجوه صاحبة الأصوات.
الدكتور أشيب ذو أنف أفطس وله كرش يتدلى أمامه.
الآخر شاب نحيف بلحية سوداء مرتبة جداً في أواخر الثلاثينات من عمره يلبس نظارة نظر. لكنه في رأيي وسيم. للحظات كنت سأقول له «لا ترد عليه، شكلك زي الفل»، إلا أن الخجل منعني. لكني قلت في نفسي، فعلاً «الملافظ سعد».
كم من الأشخاص نقابلهم في حياتنا يمكن اعتبارهم من هادمي اللذات، سلبيين للمدى الذي إذا استمعت إليهم بإنصات قد يفقدونك الثقة بنفسك. لا أدري إن كانت الغيرة تلعب دوراً أو يمكن اعتبارها سبباً في إطلاق السموم من بين الشفاه على الآخرين. وتذكرت أنني في سفري رأيت العكس تماماً من أناس ليسوا من جنسياتنا، ينظرون لبعضهم البعض بمنتهى الشغف، ولا ينطقون إلا بما يرفع المعنويات، من بائع الخضراوات حتى مدير الفندق الذي أقمت به. ولا أنكر أنني حسدتهم على تصالحهم مع أنفسهم وحياتهم.